تشاءلوا بالـ… تجدوه
(1 )
الأديب الفلسطيني الكبير الراحل اميل حبيبي له رواية باسم المتشائل. وعلى حسب تفسيره أن المتشائل هو الذي يجمع بين التفاؤل والتشاؤم ولعله يريد أن يقول إن اي انسان سوي يجب أن ينظر للمستقبل بعينين مختلفتين واحدة متفائلة (تفاءلوا بالخير تجدوه) واخرى متشائمة، فالدهر لا تؤمن تصاريفه , هذا بصفة مطلقة أما اتفاقية اديس ابابا (سبتمبر 2012 ) الموقعة بين السودانين القديم والجديد (المعيار هنا تاريخي وليس جغرافيا) هذه الاتفاقية تجسيد مذهل للتشاؤل كما سنرى ادناه.
(2 )
يذهب بعض المحللين السياسيين إلى أن الطرفين وقعا على هذه الاتفاقية بضغط من المجتمع الدولي فالقرار 2046 ينص على أن الطرفين احدهما أو كلاهما يثبت على انه هو الرافض لإنهاء النزاع سوف يتعرض لعقوبات من مجلس الامن تحت البند السابع من ميثاق الامم المتحدة بينما هناك من يرون أن الاتفاق جاء نتيجة لحاجة البلدين للبترول وللسلام، فالبلدان اصابهما الارهاق غير الخلاق اقتصاديا وامنيا وسياسيا فاذا ركنا للرأي الاول بأن الاتفاقية جاءت نتيجة ضغوط خارجية فإن هذا يدعو للتشاؤم واذا كان الاتفاق ثمرة الحاجة الخاصة بالبلدين فإن هذا مدعاة للتفاؤل لانهما سوف يصران على تنفيذ بنوده وسوف يتجاوزان المطبات المتوقعة لأن الرغبة في السلام والاستقرار تولد قوة الارادة فلننتظر لنرى.
(3 )
استحضار اتفاقية نيفاشا 2005 لقراءة اتفاقية اديس ابابا الاخيرة يدعو للتشاؤم لان تلك الاتفاقية من حيث النصوص ليس هناك ابدع منها فهي لم تنه حالة الحرب فقط بل وضعت دستورا معاصرا ما (تخريش منه المية) ولكن التنفيذ وليس التفاصيل حولت نيفاشا إلى معول هدم فاقتسام الشريكين للبلاد المؤتمر الشمال والحركة الشعبية الجنوب وبيد مطلوقة هو الذي مهد للانفصال ولكن اذا استحضرنا اتفاقية اديس ابابا 1973 التي وقعتها حكومة مايو مع حركة الانانيا فإن ذلك يدعو للتفاؤل لان تلك الاتفاقية ارست سلاما رائعا والنكوص عنها بعد عشر سنوات هو الذي جدد الحرب، واضعين في الاعتبار أن اتفاقية اديس ابابا 2012 ليست بين فصيلين سودانيين متحاربين بل بين دولتين سودانيتين كاملتي السيادة، الامر الذي جعلها تقوم على طريقة (امسك لي واقطع ليك) عوضا عن (اديني واديك) وهذا مدعاة للتفاؤل وبجمع الاثنين نيفاشا واديس الاولى نتشاءل ولو إلى حين.
(4 )
الاديب الراحل توفيق الحكيم في رقدته الاخيرة كان الاطباء عندما يعاودونه يبدأون معه بالقول (ما شاء اهو انت زي الفل , نحن كنا فين والليلة فين؟) فأصبح كلما يراهم قادمين اليه يقول (بتوع الفل وصلوا) فالقوى الدولية, الامم المتحدة والاتحاد الاوربي والاتحاد الافريقي والجامعة العربية وامريكا وفرنسا وبريطانيا ومصر وتشاد وكل القوى الخارجية التي رحبت باتفاقية اديس ابابا (سبتمبر 2012 ) هم ذاتهم قد رحبوا بنيفاشا وابوجا (والتي قال فيها روبرت زوليك إن بلاده لن تسمح بأي تغيير فيها حتى ولو كانت شولة ) والدوحة و… و… فكلهم بتوع فل عليه فإن ترحيبهم لن يتحول إلى رصيد في ارض الواقع وفي نفس الوقت لن يضر بشيء وبالتالي لا يعتد به في التقييم أو قراءة مستقبل الاتفاقية عليه فليبق التشاؤل سيد الموقف.
[/JUSTIFY]
حاطب ليل- السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]