جعفر عباس

لندن رايح جاي


[JUSTIFY]
لندن رايح جاي

ولم يعد السفر الى لندن يثير في نفسي أي مشاعر سلبية أو إيجابية، فقد كنت فرحا في زيارتي الأولى لها شأن أي مواطن عربي أو عالم ثالثي تتاح له الفرصة لزيارتها والإقامة فيها بغرض الدراسة، وفي الثانية كنت مبسوطا لأنني سألتحق بالبي بي سي ذات الشنة والرنة، وبعد عودتي الى قواعدي في الدوحة في عام 1996 زرت بريطانيا ما لا يقل عن عشر مرات، معظمها لدواع صحية مدامية، يعني تتعلق بصحة مدامي، التي هي زوجتي، أما أنا فالحمد لله فإنني أكتفي بالعلاج المحلي في قطر، ولا حاجة لي حتى الآن بخبراء أجانب يفلفلون جسمي بذريعة العلاج، وحتى عندما كنت مقيما في لندن لم أذهب إلى عيادة طبية سوى مرة واحدة، عندما ظهر شريط رفيع بني اللون في عيني، ولم أكترث للأمر لأنني، شأني شأن معظم الرجال، لا أميل الى الهلع من العوارض الصحية، وهذه ليست «مرجلة» بل استهتار بالصحة، ومعروف ايضا ان الرجل يفضل ان يسافر من طرابلس في ليبيا ويدور حول كيب تاون في مؤخرة إفريقيا، بدلا من أن يسأل عن موقع قناة السويس، فلسبب غير معروف او مفهوم فإن الرجال لا يحبون طريقة جورج قرداحي في الاستعانة بصديق أو رفيق طريق لمعرفة موقع مكان يقصدونه ولم يسبق لهم زيارته.

المهم ان الطبيب الذي كنا مسجلين لديه نظر إلى الشريط البني في عيني، عدة مرات مستخدما الكشاف الضوئي ثم فتح كتابين وقلب في الأوراق وقال إنه لم يسبق أن مرت به حالة كتلك، وإنه سيحيلني الى اختصاصي في طب العيون… ومن المعتاد جدا في الدول الغربية ان تدخل على طبيب لتشكو من علة، فيفحصك سريريا، ثم يلتقط كتابا أو أكثر من الخزانة ليقرأ ما يشاء الله له أن يقرأ، ولو فعل ذلك طبيب عربي في حضرة مريض عربي، لغادر صاحبنا العيادة وهو يبرطم: الحمار ما يفهم شيء ويريد أن «يذاكر» دروسه على حساب صحتي؟

وذهبت الى اختصاصي العيون، وكان آسيويا، ورفع جفني العلوي لينظر الى الشريط البني، ثم ابتسم وقال: هل الطبيب الذي أحالك إليّ أبيض؟ قلت له نعم إنه خواجة أصلي ليس فيه شق أو طق، فقال لي إن ما بعيني يسمى «التلون العرقي الحميد» noitatnemgip laicar ngineB

لأنه لا يحدث إلا لذوي البشرة السمراء أو السوداء، وبالتالي فالأطباء الأوروبيون لا يعرفون عنه كثير شيء، تماما كما قد يذهب سوداني الى طبيب في السويد وهو يعاني من ارتفاع شديد في درجة الحرارة، فلا يخطر ببال الطبيب مرض اسمه الملاريا، فيخضعه لفحوص تشمل الحمى المالطية والماليزية والقرمزية والبنفسجية، وينتهي الأمر بأن يعطيه أي عقار خافض للحرارة، وقد يروح فيها الزول إذا «طلعت الحمى في رأسه وضربت دماغه»، ولا يعني هذا أن الطبيب السويدي حمار مثل الطبيب الذي يفتح المراجع أمام المريض، بل يعني فقط أن لكل منطقة أمراضا خاصة بها، ولا يعرف عنها أطباء المناطق الأخرى الكثير، أو لا يخطر ببالهم أن عرضا ما مرتبط بمرض ما درسوا عنه ولم يمر عليهم شخص يعاني منه، ولن أنسى تلك المرة التي هاج فيها قولوني فأجروا لي فحوصا، لأنهم رجحوا أنني مصاب بمرض اسمه السراتيف كولايتس، ولما ارتعبت طمأنوني بأن احتمال إصابتي بالمرض ضعيفة لأنه يصيب عادة الجنس الأبيض، فقلت لهم: حاولوا إثبات أنني مصاب به لأنني اعتقد ان خطأ حصل في «جنسيتي»، فصدرت شهادة بأنني سوداني، رغم أنه من المرجح أنني من أصل سويدي، فكانت اللطمة: حتى في البيض فإن هذا المرض يخص اليهود، فقلت لهم: لو قلتم لي إنني أعاني منه فستعانون الويل وسهر الليل.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]