رأي ومقالات

خالد حسن كسلا : لقاء البشير هل فيه مقبرة لقرارات الرابع ؟

[JUSTIFY]إذا كان حسن الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي قد تنبأ ببعض ملامح مفاجأة الرئيس في خطابه قبل إلقائه يوم أمس بقاعة الصداقة بالخرطوم، وكان تنبؤه حول تبني الرئيس خطاباً جديداً لإفساح المجال للحريات ومراجعة الكثير من السياسات، فإن هذا لا يعني طبعاً ولو خطوة واحدة خطاها في اتجاه ما قال إنه اختلف فيه مع المؤتمر الوطني حول مبادئ وقيم مثل الديمقراطية والشورى وإفساح الحريات. فلا داعي للتضليل السياسي هنا، ومعلوم أن حركة بسط الحريات منذ مجئ البشير إلى الحكم لصالح الإسلاميين بقيادة العلماني الترابي قد بدأت بشكل جدي على الساحة عقب قرارات الرابع من رمضان الشهيرة التي بموجبها حل الرئيس المجلس الوطني وكان يترأسه الترابي بعد ذلك غضب الأخير بشدة ولم يصبر ريثما يعود المجلس وتفتح أبوابه من جديد، وقد خرج من المؤتمر الوطني وكون حزب المؤتمر الشعبي. وقد كان الأمين العام للأول، وهذا يعني أنه يريد برلماناً مُعّيناً وليس منتخباً يستبعده كما استبعده عام 1968م وكذلك عام 6891م إذن الفترة ما بين عامي 9991م و2005م هي أول مرحلة تحت حكم البشير تشهد انفراجاً حقيقياً في الحريات.

تلتها الفترة الانتقالية من 2005م إلى 2011م. أما المرحلة الحالية فهي بمثابة فترة ترتيب للجمهورية الثانية ـ إذا جاز التعبير ـ بعد «إعلان» انفصال الجنوب عام 2011م، فهو أصلاً منفصل منذ 9 يوليو 2005م عملياً. وكان يقال في الفترة الانتقالية إما استمرار الوحدة وإما الانفصال، وللأسف هذا غير الصحيح، إنما كان الصحيح بعد إدخال اتفاقية نيفاشا حيز التنفيذ هو إما استمرار الانفصال وإعلانه وإما العودة للوحدة «السيادية والتنفيذية».

وإذا استصحبنا هنا رؤية الترابي التي أطلقها قبل أيام حيث قال بأن يمتد موعد الانتخابات القادمة حتى 2017م بدلاً من المنصوص عليه وهو أبريل 2015م. فإن الأذكياء في التحليل السياسي يمكن أن يستنتجوا من حديثه هذا وكرمه السياسي هذا أنه أراد تطويل غياب النائب الأول السابق للرئيس علي عثمان محمد طه عن القصر الجمهوري، إذا كان سيعود إليه في مناخ موعد الانتخابات المضروب. إذ لا يمكن أن يصدر مثل هذا الحديث منه وشيخ «علي» مازال في القصر.. يدير البلاد كرئيس وزراء غير مُعلن.

ثم لا يمكن أن يصادف استنتاج الترابي الحقيقة وهو يقول إن: «الرئيس البشير استشعر الخطر المحدق بالبلاد من كل جانب ويحاول تهدئة الأوضاع». لكن يمكن أن ينطبق هذا التفسير على حالته هو حينما استشعر الرئيس عام 1999م بالخطر الدولي على البلاد خاصة بعد قصف مصنع الشفاء ثم لجأ لاتخاذ قرارات الرابع من رمضان التي وافقت الثاني عشر من ديسمبر 1999م. وقبل القصف كان فرض الحصار والعقوبات عام 1997م. لكن الآن وبعد إجراء استفتاء تقرير مصير الجنوب وقبله التوقيع على أقبح اتفاقية بعد اتفاقية كامب ديفيد هي نيفاشا، وبعد إخضاع العملية الانتخابية في السودان للرقابة الدولية، ما هي هذه الأخطار المحدقة بالبلاد والتي يحتاج حلها إلى تقديم دعوة للترابي في قاعة الصداقة ومعه صهره الصادق المهدي؟!. ما الشيء الذي عجز عن حله جهابذة السياسة ودهاتها أمثال علي عثمان ونافع ومصطفى عثمان وأحمد إبراهيم الطاهر والحاج آدم يوسف ومحمد عطا المولى ويراد من غيرهم حلها اليوم قبل الغد؟!

ثم إن الترابي الذي كان في يوم من الأيام جزءاً من الأزمة السياسية في البلاد لدرجة تعكير العلاقات حتى مع السعودية ومصر ودول الخليج الأخرى وواشنطن، وهو بالطبع ما يسر ويسعد إسرائيل، غريب جداً وعجيب أن يبرز الآن في ثياب الديمقراطيين، ويقول إنه يرهن أي تعاون وتفاهم مع المؤتمر الوطني باقتراب الأخير من قيم الديمقراطية والشورى وإفساح الحريات. إن شر البلية ما يضحك، والسياسيون يعرفون ما معنى «الاستهلاك السياسي» وفي الستينيات من القرن الماضي حينما كان الزعيم السوداني العظيم إسماعيل الأزهري يتحمس لمشروع تطبيق الشريعة الإسلامية والدستور الإسلامي، كان الترابي يقول إن هذا من باب «الاستهلاك السياسي». أي أن الأزهري لا يحق له أن يتحمس لإعادة شرع الله في البلاد في إطار الحكم والدستور. نعم لا توجد حريات بالصورة المطلوبة لكن لا مقارنة بين أوضاع الحريات بعد قرارات الرابع من رمضان وقبلها.

وقد يقول قائل كان يمكن أن يستمر الترابي دون قرارات الرابع من رمضان وتنتقل البلاد إلى مرحلة بسط الحريات. لكن هذا يمكن فقط على الصعيد الداخلي، أما الصعيد الخارجي، فكانت تأتي منه البلاوي بسبب ارتباط الترابي بالحكومة في الخرطوم. على أية حال لم تكن خطوات الترابي الأولى ذكية عام 1989م بعد أن خرج من السجن التمويهي. لقد أفرغ مضمون التمويه من الفكرة واستأثر بالبطولة السياسية والآن يبدو أنه يحاول الاستئثار بها وهو في المعارضة يُغلِّي سعره السياسي.

صحيفة الإنتباهة
ع.ش[/JUSTIFY]