تحقيقات وتقارير

على ظهور الحمير، داخل اواني صدئه :الألبان الملوثة…

[ALIGN=JUSTIFY]لحظت احدى السيدات عند شرائها للبن الحليب من البائعين والمسوقين له عبر (الحمير) ان كميات من الصدأ عالقة باناء البيع .. عندها عدلت عن نيتها للشراء من ذاك البائع واتجهت للبديل (اللبن البودرة) .. اما الاخرى فلفت انتباهها تطاير رذاذ عطس (الحمار) على اللبن اثناء صبه في انائها فلم تتحمل ذاك المشهد واتخذت قراراً حاسماً بأن لا رجعة لشراء اللبن (المحمول على ظهور الحمير) .. المشهد الثالث يبدو أكثر تقززاً ويثير الكثير من مشاعر النفور حينما شاهدت سيدة بائع اللبن يصب لبنه في انائها وسط تطاير اعداد هائلة من الذباب وقد تكومت مخلفات حماره وهو يقضي حاجته .. هذه بعض من المشاهد التي تباع في اجوائها الالبان بقلب الخرطوم واطرافها.. فكيف يكون الحال بالولايات؟ .. ما يعني ان معظم الالبان تتعرض للتلوث بدءاً بحلبه، الذي يعتمد على الطرق التقليدية، ثم تداوله، الى ان يصل للمستهلك.
……………………………………………………………………………………………………………………………………
دراسة خطيرة
اللبن وسيط جيد لتكاثر البكتيريا التي تفسده وتخمره بسبب تركيبته الكيميائية لذلك فإنه يتطلب أعلى درجات الجودة من ناحية صحية والاكتمال والنكهة الجيدة.
ففي دراسة اجراها مركز ابحاث الاغذية على كميات من الالبان جمعت من مناطق مختلفة بالخرطوم اظهرت وجود كميات من البكتيريا المعوية مثل بكتيريا (E.COLI) بنسبة (32%) و(Citrobacter) بنسبة (20%) وبكتيريا(Enterobacter Freundil) بنسبة (16%).
وكل العينات التي فحصت وجد انها محتوية على البكتيريا المعوية عدا العينة التي جمعت مباشرة من الضرع، داخل زجاجة معقمة مما يدل على ان تداول اللبن يتم تحت ظروف سيئة وغير صحيحة وغير صحية.. فتتسبب في مخاطر عديدة خاصة اذا لم يتم استهلاكه طازجاً ولم تجر له عملية بستره أو غلي.
وقد يتعرض اللبن إلى مخاطر اخرى حينما تصاب (غدة اللبن) في الثدى الى اضطراب في عملها مما يغير خصائص اللبن..وفي الظروف العادية قد يتعرض اللبن الى التلوث من مصادر عديدة كالتهاب الثدي أو مخلفات الحيوان، أو ادوات الحلب، أو المياه الملوثة، أو تلوث يد الشخص الذي يتولى عملية الحلب بالمخلفات البشرية وبكتيريا الانف، والاوساخ الموجودة في مرقد الابقار قد تتعلق بضرع البقرة فتكون مصدراً للبكتيريا عند الحلب الذي يتم عادة بالطرق التقليدية.
وبحسب الدراسة فإن الذباب يمثل مصدراً للتلوث كونه يحمل كميات كبيرة من البكتيريا وتلك التي تسبب التايفويد واضطرابات المعدة خاصة التي توجد في اماكن المخلفات البشرية، ومخلفات الحيوان.
واظهرت الدراسة ان الشخص الذي يتولى عملية الحلب يضيف تلوثاً للبن اذا كانت يداه غير نظيفتين او كان هناك غبار عالق بملابسه المتسخة، أو عندما يعطس او يكح وهو يحلب، وفي حالات كثيرة تعتبر المعدات مصدراً للتلوث بالبكتيريا العالقة بالمعدات ويتوقف ذلك على مدى نظافة المعدات وتعقيمها.
اذن فالنتائج التي توصلت لها الدراسة تعتبر خطيرة جداً ومعظم اللبن المتداول يتعرض لتلك الملوثات والمشاهدات التي روتها هؤلاء النسوة اثناء شرائهن للبن قد تطابقت مع الدراسة من حيث مصادر التلوث وما تسببه من أمراض.
وقد أكد هذا الأمر د. أحمد خليل استاذ الانتاج الحيواني بان اللبن الملوث ينقل امراض السل والتايفويد والبورسيلا ويسبب الاجهاض.
ونبه الى ان انشاء المصانع لتعبئة الالبان اكثر ضماناً لتحاشي الامراض المنقولة من الحيوان للانسان وتلك التي يسببها اللبن اثناء التداول.
مواصفة الألبان
* الهيئة القومية للمواصفات كيف ترى هذه المخاطر التي تحيط بانسان السودان ومهمتها الاساسية حمايته من مخاطر السلع المتداولة بوضع المواصفة الجيدة ومتابعة تنفيذها؟
-بحسب المعلومات المتوافرة لدينا فان الهيئة تقوم بوضع ضوابط ومواصفة لسلعة اللبن عبر لجنة فنية للالبان ومنتجاتها بمشاركة الجهات ذات الصلة تصل الى نحو (30) مواصفة لمنتجات الالبان بما فيها الزبادي والزبدة وتشمل المواصفة شروطاً صحية كالتعبئة والتخزين والنقل.
إذن فإن الالبان التي تباع على قارعة الطريق لا تمت للمواصفة الموضوعة بصلة بل يمنع هذا الاسلوب لتداول الالبان ولكن لا يمكن منع هذا التداول والتسويق إلا في وجود بدائل، كانشاء مصانع تعبئة الالبان وفقاً للمواصفة الجيدة، كما ان اتساع مساحة السودان لا يساعد على الضبط.
معالجة الوضع
والهيئة التي عقدت مؤتمراً دولياً في وقت سابق لمعالجة اوضاع الالبان بوجود خبرات عالمية، وتجارب رائدة وكان قد – أي المؤتمر – خرج بقرار انشاء جهاز قومي لتطوير قطاع الالبان بالسودان، لم ير النور حتى الآن.
* بروفيسور حسين ابوعيسى رئيس مركز ابحاث الثروة الحيوانية ورئيس لجنة الالبان ومنتجاتها قال: نعم تم اقتراح بانشاء جسم يتولى تطوير قطاع الالبان في مجال الانتاج والتصنيع والتسويق وضبط الجودة.. وتمت دراسة المشروع للاستفادة من المنتجات الهائلة للالبان وتحقيق الاكتفاء الذاتي منها وتصدير الفائض، حيث تشير التقديرات لانتاج الالبان الى أن حوالي (90%) منها توجد في الريف وما زال استغلالها ضعيفاً لانتشارها في رقعة واسعة يصعب الوصول اليها بسبب بعد المسافة وعدم سفلتة الطرق لذا كان التفكير في انشاء هذا الجهاز ليتولى هذا الامر.
وأبان بالفعل اهتمت الجهات الرسمية بالأمر وتم تكوين لجنة تحضيرية بمشاركة الجهات ذات الصلة ولكن القضية تحتاج الى تمويل كبير ورأسمال عالٍ.. ولان الاستثمار في هذا المجال قليل وعائداته بطيئة لذا يهرب المستثمرون منه فمعظمهم اتجه نحو الاستثمار في الخدمات فضلا عن ان قانون الاستثمار الذي يضع بعض القيود بالاعفاء عن الضرائب خمس سنوات يتحايل عليه البعض بحل الشركة ليعود باسم شركة اخرى وقطاع الالبان لا يتحمل ذلك ودرجة المخاطرة فيه كبيرة.
واشار الى وجود اعداد هائلة من الثروة الحيوانية ولكن تواجهها معوقات لا تمكن من الاستفادة منها والآن توجد البان بكميات كبيرة خارج دورة التسويق لبعدها عن الخرطوم وتحتاج لامكانيات كبيرة وتوفير عربات مثلجة وطرق سريعة لتوصيله لمناطق الاستهلاك لان اللبن سريع التخثر.
أيضا فإن الحلب اليدوي قد يعرضه للتلوث.. ويواجه قطاع الالبان الكثير من المعوقات كغياب الآلية المناسبة لتطوير استغلال الالبان المنتجة في القطاع الرعوي التقليدي خاصة في مواسم الخريف وادخال هذا الانتاج في دورة الاقتصاد الوطني، كما ان انتاج الالبان حول المدن يعتمد على آليات متخلفة في الانتاج والتصنيع والتسويق، ايضاً فان مراكز البحث العلمي تواجه ضعف التمويل مما ينتج عنه ضعف تطوير القطاع في الانتاجية والتصنيع.. وضعف الرقابة الصحية على وسائل تداول الالبان والتراخي في تطبيق المواصفة القياسية وضبط جودة الالبان ومنتجاتها من اهم المعوقات.. فوق كل ذلك غياب التشريعات والقوانين المنظمة لنشاط قطاع الالبان.
وقال: إن تخلف قطاع الالبان يفتح الباب واسعاً امام مزيد من واردات الالبان ومشتقاتها مما يهزم سياسات تطوير انتاج وصناعة الالبان ومن هنا تأتي اهمية قيام الجهاز المقترح ودعمه بسياسات وقرارات نافذة وجذب المستثمرين لتمويله.
خاصة وان الالبان المستوردة لم تخلُ من التلوث حيث ثبت ان بعضها تضاف له مادة (الميلامين) المسببه للسرطانات والفشل الكلوي، مبيناً ان هذه المادة تضاف بغرض رفع نسبة البروتين في اللبن لرفع سعره اذ انه في كثير من البلدان يفضل اللبن الذي يمتاز بنسبة بروتين عالية، اذ تم اكتشاف بعض الافراد بالصين يقومون باضافة هذه المادة مما جعل الجهات المعنية هناك بتنفيذ حكم الاعدام عليهم.
وقال: نحن الآن بصدد تنفيذ حملة بالتنسيق مع اللجنة الفنية للالبان وهيئة المواصفات لجمع عينات من الالبان المستوردة الموجودة بالاسواق أو بالمصانع التي تستخدمها بديلاً للبن المحلي وسنقوم بفحصها، واذا أثبتت الاشارات الاولية وجود هذه المادة سنقوم بإرسال عينات للخارج للتأكد، حيث لا يوجد معمل بالسودان يفحص مادة الميلامين.
اخيراً
في ظل وجود هذه المهددات التي تواجه تداول الالبان سواء أكانت محلية أو مستوردة معروف أنها – الألبان – غذاء مهم للانسان، وهذا يحتم دعم انشاء جهاز تطوير الالبان وتصبح ضرورة ملحة لانشاء مصانع خاصة لبسترة الالبان وتصنيعها بالجودة المطلوبة اولاً من اجل صحة الانسان ووقايته من الامراض جراء تلوث اللبن ان لم يتم غليه جيداً.. وثبت ايضاً ان تعرضه لدرجة الغليان يفقده (20%) من خواصه.. وتعرضه لاشعة الشمس اثناء تسويقه يفقده ايضاً بعضاً من خصائصه.. ثانياً للاستفادة من كميات الالبان المهدرة ورفع مساهمتها في الدخل القومي ودعم الاقتصاد.
اذن فلابد من تشجيع الاستثمار الخارجي في هذا المجال ان عجزنا عن تمويله.
سامية علي:الراي العام [/ALIGN]