السودان ويوغندا.. المصائب يجمعن المصابين
ولما كانت كمبالا من الداعمين الرئيسين للحركة الشعبية، فإنها مضت في طريقها لما بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل عام 2005م، لتكملة المشوار بانفصال الجنوب، ولاحقاً تبنت كمبالا الحركات المسلحة السودانية «الحركة الشعبية قطاع الشمال وحركات دارفور» التي صنفها اتحاد دول تجمع البحيرات في إحدى دوراته بيوغندا بانها حركات سالبة، وفي ظل هذا العداء اليوغندي الثابت تجاه الخرطوم وقع ما لم يكن في الحسبان، وهو اندلاع الصراع بين فرقاء الحركة الشعبية بدولة جنوب السودان، واتهم الرئيس سلفا كير ميارديت نائبه السابق رياك مشار بتدبير انقلاب عسكري، ومن ثم ألقت كمبالا ثقلها العسكري في قلب الجنوب وتعقبت قوات مشار الذي هدده الرئيس اليوغندي يوري موسفيني من جوبا بالسحق اذا لم يستجب لمبادرة دول الايقاد «يوغندا، السودان، إريتريا، إثيوبيا وكينيا» بالجلوس للمفاوضات، وما حدث ان كمبالا وحدها هي التي انفردت بالتدخل العسكري في الجنوب، ومضت لأبعد من ذلك بتقنين ذلك التدخل من قبل برلمانها الذي اعتمده رسمياً، كما اعلن عن اتفاق مع جوبا في هذا الخصوص، وكمبالا بسعيها هذا تسعى للحفاظ على مصالحها الاقتصادية في الجنوب، كما أنها بحسب القيادي بالمؤتمر الشعبي محمد الأمين خليفة لها ثأر قديم مع مشار الذي له مواقف من دعم جيش الرب ــ بقيادة جوزيف كوني ــ يؤرق كمبالا، وقياساً لموقف كمبالا فإن دول الايقاد الاخرى التزمت الحياد تجاه طرفي الصراع في الجنوب، وبدت إثيوبيا وكينيا غير راضيتين عن التدخل العسكري اليوغندي في الجنوب، وهو الشيء الذي لم تكن تتوقعه يوغندا التي كانت ترى ان دول الايقاد ستدعم توجهها العسكري في الجنوب وفقاً للخبير الاستراتيجي حسين كرشوم الذي قال لـ «الإنتباهة» ان كلمة السر في التقارب الذي حدث بين كمبالا والخرطوم أخيراً هو ازمة الجنوب، فعندما وجدت الأولى ان ظهرها صار مكشوفاً في هذه الازمة وانها قد تورطت بالفعل، ونظرت إلى من حولها تبحث عن مخرج لتجد ان الخرطوم هي اكثر الدول التي لها تأثير في ازمة الجنوب يممت شطرها، ملوحة بـ «كرت» الحركات المسلحة السودانية التي تأويها. وفي السياق نفسه لفت النظر الى ان هناك عاملاً مهماً، وهو ان موقف واشنطون من الصراع في الجنوب غير متوقع، فكمبالا كانت تعتقد أن الاخيرة ستتدخل لصالح سلفا كير، واضاف: اذا صح ان واشنطون والغرب لهم اهتمام بدعم مشار فإن ذلك يقلب الموازين في الجنوب.
والملاحظ ان الرئيس السوداني عمر البشير التقى نظيره موسفيني مرتين خلال العام الماضي وثالثة في يناير الفائت، على النحو التالي قمة الاتحاد الافريقي العادية في يونيو 2013م والقمة الطارئة للاتحاد حول علاقته بالمحكمة الجنائية الدولية في نوفمبر الماضي، واخيراً في قمة الاتحاد في يناير الفائت، ولأن جيش الرب يشكل هاجساً لموسفيني الذي يظن أن للسودان بشكل أو بآخر علاقة مع جيش الرب، وبالتالي فإن له المقدرة على مساعدته في حل هذا الإشكال، فإنه لدى لقائه البشير في يونيو الماضي والذي استمر ساعة كاملة عرض عليه وفق مصدر ما أن يأتيه بقيادات حركات التمرد جميعاً في طائرة واحدة في اطار تسوية صلح بينه وبين تلك الحركات مقابل ان يساعده في تسوية صلح مع جيش الرب، ووعده البشير بالنظر في هذا العرض، اما الجديد في قمة يناير الفائت فهو ان موسفيني اعاد عرضه السابق على نحو مختلف، اذ طلب من البشير ان يتدخل لصالح سلفا في الجنوب مقابل التوسط في التسوية بين الخرطوم والحركات المسلحة.
وحول مدى جدية يوغندا في طرحها للتوسط بين الخرطوم والمتمردين، اشار حسين الى انه يتوقع ان تكون كمبالا حريصة على ان تظل كل الخيوط بالحركة الشعبية قطاع الشمال بيدها، وان تستخدمها «كرت» ضغط على الخرطوم متي ما لزم الامر ذلك، خاصة أن اي اتفاق بين الخرطوم وقطاع الشمال يتطلب وجود دولة حليفة للمتمردين لتلعب دور الضامن للاتفاق، وضرب مثلاً بإريتريا التي تعتبر هي الضامن لاتفاق الشرق 2006م، وتشاد الضامن في الاتفاقيات ذات الصلة بدارفور، ولكنه عاد ليقول ان كمبالا يمكنها ان تلعب دوراً في التسوية بين الخرطوم وقطاع الشمال بالتأثير على الأخير لدى تفاوضه مع الخرطوم.
وبالعودة للمصدر السابق نجده يشير الى ان موسفيني مشهور بين القادة الافارقة بالمكر والخداع، وانه لا يؤمن جانبه، محدثاً بانه التقاه مرتين لاسباب ما، وانه لم يكد يصدق أنه سينجو في الحالتين، وفي هذا السياق يذكر أن كلاً من الكاتب الشهير إسحاق أحمد فضل الله والمتحدث الرئيس باسم مشار يوهانس في أحاديث صحفية اتفقا على أن موسفيني في آخر زيارة سجلها سلفا لبلاده طاف به على المقابر التي تضم مناوئه من الأمن والجيش فيما أذكر، وكيف انه قتلهم ليأمن شرهم، مشيراً لسلفا بأن عليه أن يتبع ذات الطريقة في التخلص من خصومه، والزيارة كانت قبل اندلاع الصراع في الجنوب.
ومع ذلك يشير حسين الى موسفيني في مشاركته في التقريب بين رئيس الحركة الراحل جون قرنق والبشير جمع الاثنين ولاول مرة كفاحاً في عام 2004، لذا فبالإمكان أن تمضي على ذات الطريق مجدداً.
على كل يبقى أن أزمة الجنوب التي جمعت بين كمبالا والخرطوم على خلفية التقاء المصالح، فإن المضي قدماً في هذا التقارب او النكوص عنه بالعودة للمربع الاول رهين بالمآلات التي تنتهي إليها أزمة جنوب السودان، فإلى أي مسار تمضي علاقة الفرقاء في جوبا؟ هذا هو السؤال الجنوبي الخاص بالجنوبيين أنفسهم وبنظام الحكم في جوبا، وفي نفس الوقت السؤال الجنوبي العام والمتعلق بدول الجوار.
صحيفة الإنتباهة
ندى محمد أحمد
ع.ش