الطاهر ساتي

فلتكن النفوس كباراً …!!


فلتكن النفوس كباراً …!!
** خبر غريب في صحف بلد أحداثها – دائماً و أبداً – حبلى بالغرائب، فلنقرأ ثلث الخبر ..أعلن رئيس المكتب التنفيذي للإدارة الأهلية بولايات دارفور الخمس، عن توقف صرف الحافز الذي أقرته رئاسة الجمهورية للعمد والنظار والسلاطين ثم إلتزمت به منذ عقد ونيف.. هكذا ثلث الخبر، بحيث لم تعد تصرف الخزينة العامة حافزاً لرجال الإدارة الأهلية بولايات دافور، أو كما كانت تفعل منذ عقد ونيف ..أما الثلث الثاني من ذات الخبر، إذ يقول بالنص : وتساءل رئيس المكتب التنفيذي للإدارة الأهلية بتلك الولايات عن سبب إيقاف هذا الحافز في ظل الظروف الأمنية التي تعيشها دارفور، وفي ظل التفلتات التي ترتكبها الحركات المسلحة..هكذا الثلث الثاني من الخبر، إذ هناك إستياء لعدم صرف الحافز، وهناك إفادة بأن مواجهة الحركات المسلحة و التغلب على التفلتات الأمنية بحاجة إلى حافز ..تمام.. فلنقرأ الثلث الأخير من الخبر، ونصه : وأشار رئيس المكتب التنفيذي بأنهم قابلوا مسئولين بالسلطة الإتحادية لحل أزمة ( حوافز العمد والنظار)، ولم يجدوا حلاً، ولذلك قرروا العودة إلى قواعدهم وعقد مؤتمر جامع لمناقشة هذا الأمر ..!!

** تلك أسطر الخبر، فلنخرج المساوئ المخبوءة ما بين الأسطر..عفواً، قبل ذلك، نقرأ الحكاية التالية كما وثقها التاريخ .. أب سن، كان زعيماً أهلياً – كماهؤلاء – برفاعة في أزمنة الإستعمار، وجاءه إبنه ذات عام وشاوره في أمر الذهاب إلى الحاكم العام ليصدق له بموقع دكان بسوق رفاعة، فنظر أب لمن حوله ثم تنهد عميقاً وخاطب إبنه ناصحاً : (ما تمشي تطلب أرض من إنجليزي، لو إداك عيب ولو رفض ليك عيب) ..تأملوا الحكمة المتجلية في تلك النصيحة، وكذلك عزة النفس التي تنظر إلى عطاء الحاكم الإنجليزي بأنه (عطاء من لايملك)..لقد هزّ في نفس أب سن أن يرى إبنه عند باب الأجنبي ليسأله قطعة أرض من أرض بلده، فيعطيه أو يمنعه.. وكثيرة هي المواقف العظيمة لزعماء الإدارات الأهلية أيام زمان، بحيث سلطة المستعمر وثروته – وكذلك الأنظمة القابضة – لم تكسر كبريائهم ولم تقزم عزة نفسهم.. وظلوا دائما كباراً في عيون وعقول مجتمعاتهم بالنأي عن المواقف التي تظهرهم بمشاهد الضعف والهوان و( اليد السفلى )..وكانوا يحثون المجتمع – بالترغيب والترهيب – على الإنتاج الوفير، وبإنتاج مجتمعهم يتباهون، ولذلك كانت تهابهم الأنظمة وتحترمهم ( إستعمارية كانت أووطنية)..!!

** وعليه، ليست من الحكمة بأن يكون الناظر أو العمدة أفندياً في الجهاز الحكومي، بحيث يعمل نظير أجر معلوم تدفعه وزارة المالية.. وكذلك ليست من هيبة سلطان الإدارة الأهلية بأن يقصد مكتب الوالي أو المعتمد ليوقع على (كشف الحوافز)، ثم يعود إلى مجتمعه ويدّعي الحكمة والحياد في حل قضاياه التي دائماً ما يكون طرفها ذاك الوالي أوالمعتمد.. والإدارة الأهلية بأي مكان – إن كانت ذات ثقل شعبي وقدرة إدارية – قادرة على الإنتاج الذي يحقق له ولعشيرته العيش الكريم بلا طرق لأبواب السلطة بحثاً عن حافز شخصي، كما شعراء بني أمية سابقاً وبعض أهل الصحافة حالياً.. ولأن العزائم دائماً تأتي على قدر أهل العزم، فالقضايا التي تأتي بالعمد والنظار والسلاطين إلى الخرطوم يجب أن تكون قضايا ذات صلة بالناس وحياتهم العامة.. أي ليتهم جاءوا إلى الخرطوم بحثاً عن سلام مجتمعاتهم و عن كيفية تنمية تلك المجتمعات وتوفير خدماتها، وليس بحثًاً عن ( حافز الرئيس)..فليكن المؤتمر الجامع للإدارات الأهلية ، والموعود به في الخبر، مؤتمراً لإنتاج الأفكار والبرامج والمشاريع التي تحث الحكومة وتحفز المجتمعات على بسط التعايش السلمي والإنتاج والخدمات بتلك الولايات..وأعلموا بأن الحافز الأكبر لأي زعيم هو نجاحه في تحقيق غايات قومه، و ليس نجاحه في إقناع وزارة المالية بأن تصرف له (حافزه الشخصي) ..!!

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]