جعفر عباس

على مسؤوليتي.. اطرح

[JUSTIFY]
على مسؤوليتي.. اطرح

لأنني أعرف أن عقود العمل في بلداننا لا تساوي قيمة الحبر الذي تكتب به، (حتى عقود الزواج راحت فيها)، فإنني وإلى عهد قريب لم أكن أتردد في التقديم لأي وظيفة أرى أن لدي المؤهل والخبرة اللازمة للفوز بها، وحدث كثيرا أن ركبت الطائرات وجلست لاختبارات وأجريت معاينات وفزت بوظائف ثم قلت لمن عرضوها علي: شكر الله سعيكم.. حدث ذلك إما لأنني كإنسان ألوف وأليف، ولست ميالا لمغادرة بيئة العمل التي قضيت فيها مدة طويلة، أو لأن العرض المادي او شروط الوظيفة (الجديدة) لم تكن مغرية بدرجة كافية.. (قلت إلى «عهد قريب» لأنني أقلعت عن تلك العادة، لأنني لم أعد راغبا في الانتقال إلى عمل جديد ولو فقدت وظيفتي الحالية بقرار من غيري او من شخصي فلن أقبل العمل أجيرا لدى أي جهة.. «أجيراً» بمعنى أن أعمل نظير راتب شهري معلوم لساعات معلومة.. خلاص قرفت من «الدوام» ونظام الحضور والانصراف).. المهم في الموضوع هو أنني مثل معظم بني يعرب لم أكن أحس بالأمن الوظيفي ومن ثم كنت أسعى إلى جعل خياراتي مفتوحة.. في تسعينيات القرن الماضي أبلغتني هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أنني اجتزت الامتحان التحريري للعمل لديها كصحفي، وطلبت مني التوجه إلى البحرين لمقابلة وفد من الهيئة لإجراء مقابلة شخصية (إنترفيو).. كان هناك ثلاثة خواجات وعربي واحد.. ولأنني كنت سلفا أشغل وظيفة مريحة، ولم تكن «تفرق» معي أن أفوز بوظيفة أو لا، فقد جلست معهم وأنا في منتهى الارتياح والانشكاح: أداعب وأشاغب و«أهزر»، بل أمضيت معظم الوقت وأنا أقوم بتوجيه الأسئلة إليهم.. وبحكم خبرتي السابقة في التعامل مع البريطانيين، فإنني أعرف أنهم قوم مرحون بشوشون، ومن ثم كنت واثقا أن مشاغباتي معهم لن يساء فهمهما وتفسيرها.. ولكن يبدو ان صاحبنا العربي تضايق من «رفعي التكليف» مع الخواجات بحسبان انني أتيتهم مستجديا وظيفة ومن ثم ينبغي ان اكون ذليلا منكسرا وأحاول ان أعطي انطباعا بالتوجس والترقب والتجهم المصحوب بـ«الرجفة» فشرع يسألني أسئلة سخيفة كان أولها: لماذا تريد ان تلتحق بالبي بي سي؟ قلت له: المبادرة أتت من البي بي سي، فهي التي طلبت صحفيين، وهي التي قالت انني نجحت في الاختبار التحريري، وهي التي طلبت مني ان احضر أمامكم هنا في المنامة.. ولو لم أفز بالوظيفة فالمسألة «مش فارقة معي»!.. بادر احد الخواجات لتلطيف الجو وقال إن إجابتي منطقية.. ولكن بدا لي واضحا ان صاحبنا العربي يريد إحراجي بأي وسيلة بحيث «اهتز».. ومن عاداتي الحميدة انني استمتع بمرمطة المغرورين والمتعنطزين «اللي شايفين حالهم» والأجلاف.. وهكذا كلما تحدث معي العربي المتخوجن صححت له خطأ في مفردة أو قاعدة نحوية انجليزية بادئا بعبارة: يومين.. (أنت تعني) كذا وكذا.. واضطر صاحبنا إلى السكوت مؤقتا للإعداد لهجمة جديدة تكون مباغتة وحاسمة.. ودخل الخواجات معي في تفاصيل عرض العمل، ومزايا الخدمة، وكان ذلك إشارة إلى أنهم رأوا أنني أهل للوظيفة، وبينما نحن «نفاصل» حول هذا الموضوع، التفت نحوي «قريبي» العربي وسألني: كم عمرك.. فكرت أن أقول له: ما يخصك ومش شغلك، ولكنني وجدت نفسي أقول رقما أقل من عمري الحقيقي ببضع سنوات.. لم يكن ذلك بنية الكذب ولكن لأثبت لصاحبنا ذاك أنه أبله وأن كذبتي ستنطلي عليه رغم ان عمري الحقيقي مكتوب في المستندات الموجودة أمامهم.. وإلا فمعنى ذلك انني عبقري وتخرجت من الجامعة وعمري 14 سنة!
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]