على مسؤوليتي.. اطرح (2)
استفزني العضو العربي الوحيد في لجنة معاينة (إنترفيو) لوظيفة في تلفزيون بي بي سي بأسئلة سخيفة، عندما كانوا ينظرون في أمر تعييني صحفيا لديهم، وفي اللحظة التي شرع فيها الخواجات الثلاثة في اللجنة مناقشة شروط الخدمة معي في إشارة الى ان الاختيار وقع علي، سألني العربي عن عمري فطرحت من عمري كمشة من السنوات.. وقلت أمس إنني لم أقصد الغش او الكذب لأن عمري الحقيقي كان موجودا في المستندات التي أرفقتها بطلب التقدم للوظيفة، بل قصدت أن أُلمح لصاحبنا السخيف ذاك إنني لا أكترث لأسئلته البلهاء، ولكن المصيبة هي ان الكذبة صارت «جد»، فقد فوجئت عند استلام عقد العمل ومستندات التوظيف الأخرى أن الالتحاق بالبي بي سي ردني الى الشباب بعد ان رجعت الى الوراء عدة سنوات.. يعني الجماعة سجلوا في أوراق الإنترفيو عمري المزور الذي يقل عن عمري الحقيقي بعدد محترم من السنوات، وهكذا صار أبو الجعافر شابا في لندن، وألف من تتمناه، ويقال ان الليدي ديانا كانت قد «حطت» عينها علي، ولما اكتشفت أنني لم «أعبِّرها» مالت الى عماد (دودي) الفايد نكاية بي، وكان ما كان من نهايتهما المحزنة.. ولا يعني ذلك أنني ضحكت على الخواجات او أنهم يفتقرون الى الدقة في العمل.. بالعكس، كل ما هناك هو ان الخواجات يختارونك لهذه الوظيفة او تلك ليس لأنك تحمل شهادة كذا وكذا أو لأن عمرك كذا وكذا، بل لأنك قادر على تصريف المهام التي ستوكل إليك.. وهكذا وكلما ذهبت الى إدارة الشؤون المالية والإدارية في بي بي سي لأمر ما عاملوني على أساس عمري المزور.. وكما قال غوبلز مسؤول الدعاية للنازيين: أكذب وأكذب حتى تصدق نفسك.. بعبارة أخرى صرت أصدق أنني فعلا أكثر شبابا مما تفيد شهادة ميلادي، واعترف بأن هذا الشعور يلازمني الى يومنا هذا.. أعني أنني أحس بأنني «فعلا» أصغر بعشر سنوات من جعفر عباس سيد أحمد الذي تزعم ورقة صفراء أنه عجوز ومكعكع ومن فئة «هرِمنا».. الأغرب من ذلك أنني جربت ان أقول للناس عمري ناقصا خمس او عشر سنوات فيأتيني في كثير من الأحيان تعليق من شاكلة: مش بايِن عليك! يعني أبدو أصغر من عمري المزور الذي يقل عن عمري الحقيقي ببضع سنوات، وأعترف بأن ذلك يرفع من روحي المعنوية.
في الغرب عموما هناك قوانين تعتبر التمييز على أساس العمر (يسمونه ageism) جنحة تستوجب المساءلة القانونية.. وعندنا تجد إعلان وظائف يقول على عينك يا تاجر «لا يزيد عمر المتقدم للوظيفة على 30 أو 35 أو 40 سنة».. وفي الغرب لا تستطيع ان تعلن – مثلا – أن وظيفة ما للرجال فقط (يسمونه sexism).. في السودان صدر قرار قراقوشي بإحالة جميع أساتذة الجامعة الذين بلغوا الستين الى المعاش.. والقرار سياسي يهدف الى التخلص من جيل كامل من الأساتذة بحسبان ان معظمهم لا يؤيدون الحكومة الحالية، ثم تعالت الاحتجاجات فقالوا: بلاش.. خلوها 65 سنة.. وفي جامعة الخرطوم العريقة درست الأدب الإنجليزي على يد مس كوك، وكان عمرها فوق الخمسة والسبعين وبقيت في الجامعة إلى أن قاربت التسعين، والشاهد هو أن أساتذة الجامعات والمهنيين عموما يزدادون خبرة وتألقا كلما تقدمت بهم السنين ولكن ما جدوى الآذان في مالطة؟
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]