تحقيقات وتقارير

محمد سيد أحمد المطيب : مأزق «الوطني» بين «الشعبية» و«الشعبي»

[JUSTIFY]دون الدخول للخوض في تفاصيل ما انتهى إليه الاجتماع الطارئ لمجلس الشورى القومي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم، على النحو الذي أسفر عن قرار بإقرار ما يسمى بالمشروع الإصلاحي الرامي لتطوير الحزب والارتقاء بأداء الدولة والسلطة الحاكمة لها، فإنه ربما قد يمكن ويجوز القول إن المأزق الذي ظل يفرض نفسه ويطرحها بقوة ضاغطة وشديدة الحدة على التجربة الراهنة لهذا الحزب وحكومته منذ العام 1989م وحتى الآن، إنما يتمثل في سعيه لتحقيق وثبة، ظل يعمل من أجلها، وتأرجح في سبيلها بين المفاصلة مع حزب المؤتمر الشعبي المعارض له والذي انشق منه من جهة، والحركة الشعبية التي كانت متمردة ضده ومناهضة له ومعبرة عن نفسها في الحرب الأهلية التي كانت دائرة في جنوب السودان ضد الشمال من جهة أخرى، ثم امتدت في مرحلة لاحقة إلى مناطق كانت وما زالت تعتبر تابعة للشمال وجزءاً لا يتجزأ عنه من الناحية الإثنية والثقافية والحضارية والإسلامية.

وكما ذكرت منذ سنوات في مقال كنت قد نشرته بصحيفة (إيلاف) الأسبوعية التي كنت أعمل مديراً لتحريرها لدى تأسيسها من جانب صاحبها وناشرها الأخ الكريم والصديق العزيز الأستاذ خالد التجاني النور في العام 2004م، فقد قصفت الولايات المتحدة الأمريكية مصنع الشفاء للأدوية بالخرطوم في العام 1998م فتصدعت نتيجة لذلك الحركة الإسلامية الحاكمة في السودان. وقد كانت تلك هي النتيجة التي سعت إليها أمريكا لدى قيامها بذلك القصف، وقد نجحت بالفعل في تحقيق ما كانت تسعى له كما أرى وكما ذكرت في ذلك المقال المشار إليه، وقد كانت النتيجة الأخرى لذلك التصدع للحركة الإسلامية وسلطتها الحاكمة هي أنها صارت بشقيها متكالبة على الاستعانة بالحركة الشعبية المناهضة لهما بقيادة زعيمها د. جون قرنق في تلك الفترة. وقد نجح قرنق بالفعل في الاستفادة من ذلك التكالب عليه إلى أن تمكن من التوصل إلى اتفاقية السلام الشامل التي أبرمها مع السلطة الحاكمة استجابة لضغوط هائلة عليها من الولايات المتحدة الأمريكية عام 2005م.

وكما ذكر السيد رئيس الجمهورية ورئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم المشير عمر البشير في خطاب «المفاجأة» بقاعة الصداقة في الأيام الاخيرة الماضية فقد وجد الحزب الحاكم أن «الوثبة» التي ظل يسعى من أجلها دون جدوى، ويعجز عن إثبات القدرة على تحقيقها لم تكن ممكنة في الفترة اللاحقة لإبرام اتفاقية السلام الشامل مع الحركة الشعبية التي حصل قرنق بموجبها على منح الجنوب ما يسمى بالحق في تقرير المصير والاختيار بين خيار الاستمرار في الوحدة الوطنية السودانية مع الشمال بناء على الالتزام بما ورد في تلك الاتفاقية، أو اختيار خيار الإقرار بالانفصال من الشمال بناء على استفتاء للآراء بين المواطنين السودانيين في الجنوب حول هذا الخيار أو الخيار الآخر على النحو الذي يرون أنه هو الأفضل والأمثل والأنسب بالنسبة لحاضرهم ومستقبلهم والمعبر عن الإرادة الحرة لهم.

ورغم أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم كان يرغب في اختيار المواطنين السودانيين في الجنوب للاستمرار في الوحدة الوطنية مع الشمال، فقد فشل في أن يعمل من أجل تحقيق هذه الرغبة التي عجز عن إقناع الحركة الشعبية بها، بينما نجحت الأخيرة في سعيها لتحقيق الانفصال الذي زعمت أنها أرادت بإنزالها على أرض الواقع، أن تحقق عبره ما تصفه بتحقيق الاستقلال الوطني للجنوب السوداني وتحريره وتحرره من الاستغلال والاستعمار الشمالي العربي الإسلامي.

وبعد أن فشل حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الرهان على الاستجابة لضغوط الولايات المتحدة والإذعان لها بالموافقة على إبرام اتفاقية السلام الشامل مع الحركة الشعبية على النحو الذي انتهى إلى القبول بإقرار انفصال جنوب السودان عن الشمال، إضافة إلى إدخال ما يسمى المناطق الشمالية الثلاث ضمن المستحقات التي ظلت متبقية من تلك الاتفاقية ومترتبة على القبول بالدخول فيها والموافقة على منح الحركة الشعبية ما عملت من أجله دون إلزامها بدفع المستحقات المترتبة على تمتعها بحق اختيار الانفصال على النحو الذي سعت له وحصلت عليه بالفعل، فإن حزب المؤتمر الوطني الحاكم وغريمة الشعبي المعارض له والمنشق منه قد أخذ كل منهما يعود إلى صوابه على ما يبدو، ويدرك ولو متأخراً جداً أنه لا غنى له عن نصفه وشقه الآخر. وبناء على هذا تجيء «الوثبة» الراهنة والمنتظرة التي يسعى لها كل من «الوطني» و«الشعبي» هذه المرة في اتجاههما لإعادة المياه إلى مجاريها بينهما ومع غيرهما من القوى الوطنية الأخرى المعبرة عن الانتماء الحضاري لهذه الأمة.. فهل تنجح مثل هذه «الوثبة» المزمعة بعد كل الذي جرى؟ علينا أن ننتظر لنرى!!

صحيفة الإنتباهة
ع.ش[/JUSTIFY]