تحقيقات وتقارير

جبهة ثورية وحركات دارفورية وطوائف في جولة الغد.. من ينتظر المفاجأة


[JUSTIFY]في نفس الوقت الذي كان فيه البروفيسور إبراهيم غندور يحدق في أسماء الوفد الذي سوف يصطحبه معه إلى بهو (الشيراتون) الأثيوبي، ومن ثم يشطب هذا ويضيف ذاك بوصفه رئيساً للوفد التفاوضي، كان ياسر عرمان هنالك في (كبمالا) المدينة الاستوائية يلعب (بالبيضة والحجر) ذات لعبته المفضلة ويرش العطر على الثياب المعلقة، ثمة ما يدعو للانتباه، فكلا الوفدين يحاولان حشد العالم خلفهما لكسب التعاطف وربما فتح مسارات جديدة، الشاهد من وراء تضاعيف الوجوه السودانية التي ستحتمي بظلال الهضبة الأثيوبية منذ صباح الغد هو قصة التوزيع الجغرافي، ولو شئت الدقة فقل التوزيع السياسي، (فسيفساء) يمكن إداركها من التمعن في أسماء الشخصيات التي ستجلس على مائدة واحدة وتتبادل الصور التذكارية والابتسامات المنمقة لتدخل في أجواء الحوار العميق، بجانب خبراء القطاع والصحافيين الأربعة المرجح أن يشاركوا بصفة مراقبين لمسار التفاوض من جانب الحكومة.

ثمة أمر يدعو للدهشة لو تفحصت في أسماء الوفد الحكومي ووفد قطاع الشمال، ولكن هنا تبرز الكثير من الاستفهامات، فهل (خبراء) التفاوض والمراقبون الذين دُلِق حولهم مداد كثيف هم نفس (التشكيلة) التي كانت تلعب بها الحكومة كل (مبارياتها) السياسية طوال السنوات المنصرمة، ويعلقون على صدورهم (شارة النجومية)؟ أم أن استراتيجية المؤتمر الوطني تغيرت على نهج التغيرات التي طالت السياسات والوجوه، وظهرت روح جديدة وأسماء جديدة..؟!

فيضٌ من ذلك التّناول يحيل حزمة التكهنات على طريقة شكسبير (شيء ما يحدث في الدّنمارك) أو في أديس أبابا الزهرة الجميلة، أشد غرابة ولربما أكثر ..!!

خلطة جغرافية

وضح حتى الآن أن وفد التفاوض الحكومي ضم شخصيات من خارج سور المؤتمر الوطني أبرزهم الفريق دانيال كودي ممثل جبال النوبة ورئيس الحركة الشعبية ـ تيار السلام ـ كما يضم اللواء مركزو كوكو بثقله القبلي المعروف وهو مؤتمر وطني وعبد الرحمن أبومدين الذي يمثل تيارا عريضا من أبناء النيل الأزرق والدكتور حسين كرشوم القيادي البارز في المؤتمر الوطني والخبير في قضايا المنطقتين، ومن الصحفيين اختار الحزب الحاكم عادل الباز والصادق الرزيقي وعبد الرحمن الأمين ومحمد حامد جمعة كمراقبين لمسار التفاوض، إذن المؤتمر الوطني حرص على صناعة تشكيلة من أبناء المناطق الملتهبة عداء الصحفيين، دون أن يمضي بعيداً في الخروج عن العباءة الحزبية.

ما وراء الأسماء

في بيان قطاع الشمال وردت أسماء عديدة لا زالت تتوالى حولها ردود الأفعال، عرمان طوف في تشكيلته على الجغرافيا والأيديولجيا، ويلاحظ وجود سليمان جاموس الذي يمثل حركة العدل والمساواة ومحمد عبدالله خاطر وهو محامي شهير من حركة تحرير السودان جناح عبد الواحد- فضلاً عن علي ترايو – من حركة تحرير السودان، وهو أحد مساعدي مناوي، وكذا مهدي داؤود الخليفة نائب نصر الدين الهادي المهدي ذو الخلفية الأنصارية، وعلى مقربة من الطوائف ورد اسم د. محمد زين العابدين في الجبهة الاتحادية المقابلة، ثمة إشارة مهمة يمكن التقاطها وهي أن الأسماء آنفة الذكر هي مجموع التكوين السياسي للجبهة الثورية، وربما قصد عرمان من وراء ذلك الطرق على فكرة القومية والخروج بالمفاوضات من المنعطف الثنائي إلى فضاء مغاير وهي الفكرة التي ظل حزب الأمة القومي يقف منها موقفاً ثابتاً، وحتى عبد الواحد محمد نور الذي ظل رافضاً بالأساس لفكرة التفاوض جاء من يمثله وهو محمد عبد الله خاطر، مما يعني بشكل لا لبس فيه أن عبد الواحد مشارك في عملية التفاوض، أما سليمان عثمان فهو موزا لعبد الرحمن أبو مدين من الضفة الأخرى، فالأول من النيل الأزرق وكان يعمل مع عقار بعيد انتخابه في منصب الوالي، كذلك فرح عقار المنشق عن الوطني وهو يمثل دلالة بارزة وربما جاء بحسبانه يفهم لغة قومه..

كوتة نسائية

اللافت كذلك في هذه التشكيلة ورود اسم السيدة نجلاء محمد علي وجعفر بامكار لينوبا عن شرق السودان بالشكل المجازي، مع الحضور البائن لكوتة النساء، ما بين نجلاء وبلقيس بدري ونجوى موسى كندة، والأخيرة معرفة الانتماء لجبال النوبة، كذلك صابر أبو سعدية وهو أحد أبناء دارفور المعروفين الذين ينتمون للحركة الشعبية، ولا يمكن تجاوز اسم الدكتور محمد جلال هاشم، وهو من الغرابة أنهم لم يأتوا به كخبير وإنما كممثل لكجبار والنوبة في الشمال، وجاء المطران أندودو آدم النيل ممثلاً للمسيحيين، والدكتور خالد التجاني ذو الخلفية الإسلامية والدكتور صديق أمبدة المثقف والأستاذ الجامعي وكذا كمال الجزولي ليرجع مكانة اتحاد الكتاب والمثقفين، أما الشفيع خضر فهو ممثل للحزب الشيوعي.

مائدة مستديرة

ثمة دلالات ورسائل تكمن تكمن خلف الكواليس وربما أمامها أيضاً، تتمثل في المشاركة ربما غير المباشرة للجبهة الثورية وحركات دارفور في هذه الجولة التفاوضية، مع الأخذ في الاعتبار الصورة العملية لفكرة المائدة المستدير أو الحوار القومي التي ظل ينادي بها الصادق المهدي، مما يعني وبصورة غير مباشرة الارتقاء من ضيق قضية المنطقتين إلى فضاء الوطن الوسيع والتطرق لكل أزمات السودان، وفي حالة الوصول إلى تفاهامات بين الجانبين ربما يفضي واقع الحال إلى سلام شامل وحل نهائي للأزمة السودانية ما لم تطرأ أحداث جديدة تقطع الطريق على ذلك السيناريو الذي يتخلق شيئاً فشيئاً

عزمي عبد الرازق: صحيفة اليوم التالي [/JUSTIFY]