الطاهر ساتي

تنقيح معلومات الحمى…!!

تنقيح معلومات الحمى…!!
** صدقاً، من عاشر قوماً أربعين يوماً صار منهم أو فر منهم.. ويبدو أن الأستاذ بحر أبوقردة، وزير الصحة الاتحادية، قد (صار منهم).. ولو لم يكن كذلك، لما أصدرت وزارته هذا التوجيه.. أصدرت الوزارة الاتحادية توجيهاً لوزارات الصحة بولايات دارفور بعدم التصريح لوسائل الإعلام عن الوضع الوبائي للحمى الصفراء ولا عن معدلات الوفيات الآخذة في الانتشار، وطالبتها بمد إدارة الوبائيات بالوزارة الاتحادية بالمعلومات قبل توزيعها لوسائل الإعلام، وذلك من أجل تنقيح المعلومات من قبل إدارة الوبائيات ثم توزيعها في شكل بيان للصحف عبر إدارة الإعلام المركزية، بمعدل ثلاثة أيام في الأسبوع.. هكذا الخبر..!!
** بالخبر اعتراف بأن وضع الحمى الصفراء بولايات دارفور بلغ (مرحلة الوباء)، واعتراف آخر بأن معدلات الوفيات (آخذة في الانتشار)، ومع ذلك هناك من يسعى إلى (تلوين الحقائق)، وذلك بتكميم أفواه تلك الوزارات الولائية وكوادرها الميدانية (الواطية الجمرة).. تنقيح المعلومات – بواسطة الوزارة الاتحادية – يعني تلوينها واختصار ما فيها من أعداد الوفيات والحالات، بحيث يكون الأمر طبيعياً، أو هكذا دائماً مهام مقابر الحقائق في دهاليز السلطات المركزية.. وما كان على وزير الصحة الاتحادية أن يقتدي بهذا النهج الذي يتنافى مع قيم (العدالة والمساواة والتحرير والشفافية و..)، وغيرها من شعارات ما قبل اتفاق الدوحة و(أداء القسم).. بل كان عليه أن يدع المصادر الولائية تتحدث بطلاقة وكثافة، حتى ينتبه الرأي العام – وكذلك السلطات الاتحادية- لما يحدث هناك.. فالشفافية هي بداية العلاج لأي مرض، صحياً كان أم سياسياً، وليس (الدغمسة) المسماة في التوجيه بالتنقيح..!!
** والحمى الصفراء بولايات دارفور لم تظهر اليوم ولا الأسبوع الفائت، بل تاريخ ظهورها يعود إلى مطلع أكتوبر الفائت..وأعداد الإصابات تعد بالمئات، تجاوزت (200 حالة)، وعدد الوفيات – رحمهم الله – تجاوز (75)، ومع ذلك ظلت السلطات الاتحادية في حالة سكون ولا مبالاة، وكأن مأسي الأهل هناك لا تعنيهم.. وصدقاً، حال سكونهم – في المناصب المركزية – يعكس بأن تلك المآسي لا تعنيهم، إذ لم تحدثهم أنفسهم بإعلان تلك المناطق بأنها (مناطق موبوءة)، ولم تحدثهم أنفسهم بتشكيل (غرف طوارئ)، ولم تحدثهم أنفسهم بمخاطبة منظمة الصحة العالمية، بل لم تحدثهم أنفسهم بزيارة تلك المناطق وتفقد المرضى ومؤاساة أسر الضحايا.. فالوزير لايزال يتحدث من الخرطوم، وكذلك مجلس الوزراء.. ولا يزال أكبر همهم ومبلغ علمهم هو تكميم أفواه الصحف بوسيلة (تنقيح المعلومات قبل نشرها)، وتلك هي – كما تعلمون – وسيلة العاجزين عن مواجهة الحقائق والأزمات.. لو كان بالوزارة حصيف لناشد وسائل الإعلام بحيث تكون الحمى الصفراء حدثاً أساسياً، بدلا عن تكبيلها بهذا التوجيه..!!
** ونقرأ الخبر الصادر عن مجلس الوزراء، إذ يقول.. (وجه المجلس المواطنين بعدم الحركة في المناطق التي ظهرت فيها حالات الإصابة بالحمى الصفراء لتجنب خطر العدوى، ويؤكد المجلس محدودية الحالات وأشاد بالإجراءات التي اتخذتها وزارة الصحة لمنع انتشار المرض). هكذا الخبر..تأمل، أكثر من (200 مريض)، وأكثر من (75 مرحوما)، ومع ذلك يصف المجلس الوضع بالمحدودية، ثم يشيد بإجراءات وزارة الصحة التي حالت دون انتشار المرض.. نعم لم ينتشر المرض بفضل إجراءات وزارة الصحة، والدليل على ذلك هو إعلان وزارة الصحة بولاية الخرطوم عن ظهور حالة إصابة – بالحمى الصفراء ذاتها بأم درمان.. نعم، انتقلت تلك الحمى من دارفور إلى الخرطوم، ومع ذلك يحتفي مجلس الوزراء بأداء وزارة الصحة.. وليس في هذا الاحتفاء ما يُدهش، فالمحتفى به (صار منهم)، أي نجح في تنفيذ قرار (تنقيح معلومات الحمى الصفراء)..!!.

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]