تحقيقات وتقارير
(يوناميد)… لا مالاً حفظت ولا أمناً حققت
وقوات اليوناميد UNAMID التى بدأت عملها العام الماضى كانت بارقة امل لملايين من النازحين الذين يعيشون تحت التهديد اليومي والعنف ويعتمدون كلياً على المساعدات الانسانية التي تقلصت او توقفت تماماً بسبب انعدام الامن والعراقيل البيروقراطية، بيد ان تلك الامال الكبيرة احبطت وتحولت الحرب الى ساحة للعنف الذي تمارسه كافة الاطراف واصبح قطاع الطرق منتشرين في الاقليم ووجهت انتقادات لاذعة لقوات اليوناميد التى كان يفترض ان تأتي ببعض الاستقرار الى الاقليم خاصة من النازحين والقرويين الذين يشكون بأنهم نادراً ما يتلقون المساعدة من أفرادها حتى عندما كانوا يطلبونها من قوات البعثة أثناء الهجمات. ومن ناحية أخرى ينظر النازحون إلى اليوناميد التي يُفترض انها حاميتهم على أنها خصم وليس حامية وانها ليست قادرة حتى على حماية نفسها ويعتبرونها مقربة من الحكومة أكثر مما يجب، وتنفي اليوناميد تلك الاتهامات بشدة وتقول انها لم تصل إلى مستواها التشغيلي الكامل لتنفيذ مهامها بأسرع ما يمكن وانها تعانى من عدم توفرالموارد الكافية والمروحيات لكي تتحرك في أي مكان داخل الاقليم وعلى الرغم من ذلك انها تقوم بالدوريات الليلية لحماية المدنيين وانها انفقت (280) مليون دولار حتى الآن في دارفورحسب حديث رودلف أدادا رئيس البعثة المشتركة، ولكن البروفيسور حسن مكي يقول ان المبلغ الذي رصدته الامم المتحدة لقوات اليوناميد البالغ ملياري دولار في العام لو وجه لدمج الحركات المسلحة في القوات المسلحة او تأهيلها لكانت حققت الامن في الاقليم ويقول في حوار اجرته معه الصحافة في وقت سابق ان وجود القوات الدولية كان انفع للشركات واصحاب العقارات اكثر من النازحين.
من جهتهم يقول النازحون ان الدوريات الآن أصبحت نادرة جداً؛ وأحياناً تكون دورية واحدة في اليوم، وهذه «الدورية» قد تكون مجرد زيارة إلى السوق لشراء الطعام وفي هذه الأجواء المشحونة بعدم الثقة والغضب والخوف وانعدام الأمن والخلافات السياسية، ترعرع جيل عرف بجيل الغضب يعيش في وضع لا تلوح في أفقه بارقة أمل في الحاضر أو المستقبل.
ويرى مراقبون ان عجز قوات الاتحاد الافريقى سابقا واليوناميد حاليا عن حماية المدنيين بات بائنا منذ احداث حسكنيتة في 29 سبتمبر 2007، التى لقي فيها 10 جنود من قوات حفظ السلام مصرعهم، وأُصيب 11 بجروح خطيرة من أصل أكثر من 50 جندياً لاذوا بالفرار وتعرضت القاعدة للتخريب والنهب وفى الوقت ذاته لم تستطع القوات الموجودة في مقر القيادة في الفاشر أن تهب لنجدة قاعدة حسكنيتة واضطرت لطلب المساعدة من الحكومة السودانية -أحد أطراف النـزاع – وبرغم أن يوناميد لديها قواعد في عدة مناطق، إلا أن القرب من قاعدة اليوناميد لا يحمي المدنيين بالضرورة من الهجمات، ففي الشهر الماضى عندما اصبحت بلدة مهاجرية مسرحاً للقتال الذي دار بين قوات حركة العدل والمساواة وقوات مناوى وبين قوات الحكومة والعدل والمساواة كان مقر اليوناميد ملاذاً لمئات الأشخاص الذين فروا إلى قاعدتها، لكنها لم تقدم الحماية لسكان البلدة وهى اي اليوناميد غالبا لا تستطيع التحرك بسرعة لحماية المدنيين أو الوحدات التابعة لها ويرفض الطيارون المدنيون التحليق إذا شعروا أن هناك أي خطر أمني فالغارات التي شُنت على حسكنيتة ومهاجرية ليست مجرد مؤشر على عجز عن حماية المدنيين بل لم تسلم أي هيئة للمساعدات الانسانية تقريباً من التعرض للهجمات المسلحة، كما لجأت جميع هذه المنظمات إلى تقليص عدد العاملين فيها بينما لقي العاملون في بعض المنظمات العاملة في مجال المساعدات حتفهم أثناء قيامهم بواجبهم واضطرت بعضها إلى الانسحاب بالكامل من الاقليم المشتعل.
وتعرضت البعثة المشتركة (يوناميد) نفسها الى هجمات وسطو على مركباتها داخل المدن مما جعلها تتخذ حزمة من التدابير الامنية للحد من حوادث اختطاف مركباتها وتأمين سلامه العناصر التابعة لها اشتملت على تقييد حركة الافراد والمركبات التابعة للبعثة المشتركة واشارت فى بيانات صحفية الى زيادة حالات السطو التي ظلت تتعرض لها المركبات التابعة لها ووكالات الامم المتحدة والمنظمات الاخرى غير الحكومية والعاملون فيها خلال الاونة الاخيرة وكانت البعثة قد طلبت تعاونا مع الاجهزة الامنية السودانية للحد من اعمال اللصوصية التي تتعرض لها البعثة.
ومن التحديات الاخرى التى تواجه البعثة المشتركة المحكمة الجنائية الدولية لانه فى حــالة صدور مذكرة توقيف بحق الرئيس البشيرمن المتوقع طردها من السودان فقد قال مستشار رئيس الجمهورية بونا ملوال فى وقت سابق من العام الماضي وبالتحديد فى العاصمة الاثيوبية اديس ابابا انه في حــال توجيه الاتهام الى الرئيس البشير، (فإنه لن يعود بإمكاننا ان نكون مسؤولين عن وضع القوات الاجنبية في دارفور( واضــاف «يمكن ان نطلب منها (القوات) الانسحاب ولكن رئيس البعثة المشتركة ادولف ادادا اكد ان قوات حفظ السلام بدارفور لا علاقة لها بالمحكمة الجنائية الدولية وشدد بأن صدور اي قرار عنها لن يكون له اي تأثير على «اليوناميد». واضاف ادادا عقب اجتماع له مع وزير الدفاع الفريق عبدالرحيم محمد حسين بأن القوات ستعمل بالتنسيق مع الحكومة السودانية وفق التفويض الممنوح لها مشيرا الى ان الحكومة ابلغت البعثة اكثر من مرة انها لن تتأثر بالقرار ويعتقد ادادا ان القوة موجودة في دارفور لتقديم المساعدة، ويقول فى هذا الشأن (هذه هي مهمتنا التي ارتضيناها، ولا يوجد ما يجعلنا نغادر قبل اكتمال المهمة) وكانت قوة اليوناميد قد اجلت موظفيها غيرالاساسيين الى كل من اثيوبيا ويوغندا وكينيا عقب تقديم مدعي المحكمة الجنائية طلب توجيه الاتهام الى الرئيس البشير .
وخلال العام الماضى قتل حوالى خمسة عشر من العاملين في منظمات الاغاثة، وتقول الامم المتحدة ان مساعداتها الانسانية تصل الى 65% فقط من سكان الاقليم. كما قتل اكثر من ثلاثين من افراد قوة حفظ السلام الدولي وتعرضت اكثر من ثلاثين مركبة للاختطاف تحمل مساعدات إنسانية، بيما تعرضت 15 قافلة للهجوم والسلب ووجهت انتقادات لاذعة الى قوة حفظ السلام لأنها لم تتدخل فى اغسطس من العام الماضي عندما قتل 33 شخصاً في هجوم على مخيم كلمة بولاية جنوب دارفور الذى يعد احد اكبر مخيمات النازحين في الاقليم، ولكن هناك بعض الامل في ان يتم تعزيز قوة حفظ السلام الدولية بنهاية هذا العام خصوصا وان الحكومة باتت تتعاون معها بشكل كامل. والسؤال كم من الوقت سيمضي قبل أن تتمركز في دارفور قوة لحفظ السلام فعالة ومزودة بإمكانيات جيدة ؟ وإلى متى سيظل السكان المدنيون في دارفور يتعرضون لانتهاكات حقوق الإنسان.
ابوزيد صبي كلو :الصحافة [/ALIGN]