جعفر عباس

أبو الجعافر المنظِّر المفك


[JUSTIFY]
أبو الجعافر المنظِّر المفك

مهما حاولت تعريفكم بمواهبي وقدراتي الفكرية فإنه ليس بمقدور عمود صحفي واحد استيعابها ولو على مدى «شهر بحاله»، فمن إنجازاتي المهمة أنني سبقت انقلاب معمر الجزافي في ليبيا بالظهور في الأول من سبتمبر، أي انني ولدت في مثل ذلك اليوم من ذات عام، ومن أراد أن تثكله أمه فليسألني عن سنة مولدي، وقد فعلها مذيع مسكين في فضائية عربية ونحن على الهواء فقلت له: لم آت إليك طالبا الزواج أو وظيفة كي تسألني عن عمري، فصار المسكين مثل السمسمة وكاد ان يختبئ وراء المايكروفون، ولكنني انفجرت ضاحكا كي يدرك أن الأمر دعابة! المهم فلأنني نوبي، أي من الأقليات العرقية، فإن اسمي لم يرتبط بالفاتح من سبتمبر، كما حدث لانقلاب العقيد الجزافي (والذي صار مثل كل الانقلابات «ثورة»! يعني قالوا: نوبي وأسمر، يكون «فاتح» من سبتمبر؟ ما يصير!! أيلول الأسود.. معقولة! كما انني سبقت الجزافي في طرح النظرية الثالثة، وأسميت نظريتي الاشتمالية، فلأنها نظرية عربية فهي مزيج من الاشتراكية والرأسمالية والشمولية، وفي شقها الاشتراكي فإن نظريتي استندت الى استقراء الواقع العربي، حيث من حق الحكومة ان تشارك المواطن في ما يملك وفي ما قد يملك، لأن الحكومة تعتبر جميع المواطنين من «ما ملكت أيمانهم»، والاشتراكية كما قال منظرها الأول ماركس آند سبنسر تعني المشاركة في المِلكية، والحكومات العربية تطبق الاشتراكية بطريقة الانبطاح على النصوص، وتشارك المواطنين حتى في أحلامهم وأفكارهم.. ووفاء بالشق الرأسمالي للاشتمالية، والذي يكتمل بتحقيق رأسمالية الدولة، فإن الدولة تسيطر على كل شيء ذي قيمة مادية او معنوية، وتوزعه على كبار التنفيذيين في جهاز الدولة وأنسبائهم وأصهارهم (بزعم الخصخصة)، ولان الحكومات العربية تعرف ان الإنسان العربي يتمسكن حتى يتمكن وانه بدأ ينحرف وراء الأفكار الهدامة مثل حقوق الإنسان، كان لا بد من جرعة قوية من الشمولية لتشمل المواطنين برعاية مباحثية استخباراتية.
اطلعت قبل سنوات عبر وسائل الإعلام على أفكار جميلة للشاب الذي كان يسوِّق نفسه كرائد التجديد في امبراطورية أبيه، (ثم اكتشف لاحقا ان الليبيين شعب من الجرذان المساطيل) أعني سيف الإسلام القذافي الذي تكلم كثيرا عن تحريك الحياة السياسية الراكدة في بلاده وإنعاش الاقتصاد بتشجيع السياحة (في ليبيا مواقع أثرية فريدة تؤرخ لحقب مهمة في تاريخ شمال إفريقيا وحوض البحر المتوسط)، وبعد كلامه هذا عبر وسائل الإعلام العالمية بأسبوع واحد أعادت سلطات مطارات ليبيا مئات المسافرين الأجانب الى بلدانهم! ليش؟ قالوا لهم روحوا ترجموا جوازاتكم ثم تعالوا كسيّاح.. طيب إذا كان ضابط الجوازات الليبي لا يعرف اللغات الأجنبية التي كتبت بها جوازات السياح كيف سيستوثق من صحة «ترجمتها»؟ ألا يعتبر الجواز الفرنسي – مثلا – مزورا إذا كان باللغة العربية؟
ما علينا.. لا ينكر الا مكابر ان أبا الجعافر خلع الأمة العربية قبل ربع قرن، لسبب وجيه وهو أنه نوبي أعجمي، جرب الانتماء إليها مخدوعا بشعارات مسجوعة، فقَبَض الريح الذي ينقض الوضوء، ثم أدرك ان الولاء لأمريكا أجدى وانفع، كما انه يرفع من قدر المواطن العربي في نظر حكومته الاشتمالية.. وفعلها من قبلي الأخ العقيد معمر الجزافي الذي تنصل من الانتماء الى العرب، عندما رفضوا وحدة تجعل منه رئيس جميع الدول العربية وصار من دعاة الوحدة الإفريقية، فأضفوا عليه لقب ملك الملوك، ولكن تنصل ابو الجعافر منهم أكثر قبولا، لأنه مجرد مواطن لا راح ولا جاء، وليس زعيما او قائدا، ولم يسبق له ان بشر بحتمية او ضرورة الوحدة العربية، بل بالعكس، وبكل فخر اقول انني ظللت طوال حياتي الزوجية من غلاة معارضي الوحدة العربية، لأن الجمع بين دولتين عربيتين تحت علم واحد ورئيس واحد، مثل تناول قرص ملين مع قرص منوم!

[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]