الطاهر ساتي

الربيع العربي و.. (اختبار غزة)

الربيع العربي و.. (اختبار غزة)
** ما لم تحررك نفسك من قيود الخوف والظلم، فلا تصدقها لو خدعتك بأنك قادر على تحرير أي كائن آخر من تلك قيود أو أخرى.. وعندما تحدق في ملامح أنظمة وشوارع الدول العربية منذ بداية أحداث غزة، تكتشف الفرق بين الأنفس الحرة والأخرى المقيدة بسلاسل الخوف والظلم.. نعم، كتائب القسام لم تعد تقاتل وحدها بفلسطين، بل اصطفت معها شعوب ثورة الربيع العربي وأنظمتها بمشاعر صادقة وغير مزيفة بأي دبلوماسية.. وتلك هي مشاعر أي (شعب حر).. وعلى سبيل المثال، مصر اليوم لم تعد مصر البارحة.. (غزة لن تكون وحدها)، قالها الرئيس مرسي بوضوح لم تعهده مصر وشعبها في عهد الرئيس مبارك.. وكذلك قالتها تونس بعد سنوات من الصمت: (ما كان مسموحاً لإسرائيل بالأمس لم يعد مسموحاً لها اليوم)، أو هكذا يغضب وزير خارجيتها أمام العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ومثل هذا الغضب الرسمي لم يكن مألوفاً – ولا مسموحاً – بتونس في عهد الرئيس زين العابدين..!!
** وثورة الربيع العربي لم تؤثر في مواقف أنظمتها فحسب، بل تجاوزت تأثيرها لأنظمتها إلى أنظمة أخرى لم تكن مبالية بالقضية الفلسطينية ومآسي معاركها، رغم أنها هي الأقرب – وجداناً وجغرافياً – إلى فلسطين.. ونعني الأنظمة التي تمسك بعصا المواقف (من النص) في مثل هذه الاختبارات.. هي لم تعد كذلك (على الأقل إعلاميا).. نعم، تلك الأنظمة التي ظلت مواقفها – في أحداث كهذه – تؤثر السلامة والاستنجاد بأمريكا و(لغة الطبطبة)، وكذلك اللعب على الحبلين الفلسطيني والإسرائيلي بحياد فاضح، لم تعد كذلك، كما كشفتها أحداث غزة الدامية.. لقد تغيرت خطب ساستها الموجهة لإسرائيل، بحيث مزجت الخطب السياسية ببعض عبارات الغضب والاستياء و(التهديد المغلف بالدبلوماسية)، وهذه خطوة في الاتجاه الصحيح، والعافية – كما نعرفها – بالدرجات.. لقد تأثرت – أو فلنقل تشبهت – بالأنظمة المنتخبة التي استلهمت قوة مواقفها من (صناديق الاقتراع)..!!
** لم يعد هناك خيار لكل الأنظمة العربية – منتخبة كانت أم جاثمة – غير مناصرة الشعب الفلسطيني في قضيته العادلة بالأعمال وليس بالشعارات والأشعار، أو هكذا رغبة ثورة الربيع العربي.. وكان – ولا يزال – لافتاً للأنظار والعقول أن ثورة الربيع كانت تتخذ مواقف تلك الأنظمة المخلوعة في القضية الفلسطينية كإحدى دوافع التغيير.. ثم كان – ولايزال – لافتاً للعقول والأنظار بأن الأنظمة المنتخبة ما فازت بالقيادة إلا بعد تعهدها بتحقيق رغبات وطموحات ثوراتها، ومنها عدم الحياد في القضية الفلسطينية، وما يحدث حالياً من مواقف واضحة لهذه الأنظمة نوع من (الوفاء بالعهد).
وتخطئ إسرائيل كثيراً لو ظنت بأن مصر اليوم هي مصر البارحة، وتونس اليوم هي تونس ما قبل الثورة، بل ما عاد الشارع العربي هو ذاك الشارع الذي يكتفي بالدعاء – والأسف – أمام العدوان الإسرائلي.. وهذا الغضب الصارخ – وليس الصامت كما في عهود الأنظمة المخلوعة – يعد من أهم ثمار ثورة الربيع العربي.. وعليه، فلتتعلم بقية الشعوب العربية الدورس من مصر وتونس، وعليها أن تعلم بأن تحرير الآخر من كل أنواع القيود يجب أن يبدأ بتحرير الذات من تلك القيود ذاتها.. أي ما لم تدافع عن قضيتك بصدق حتى تنتصر، لن تجد طريقاً مفروشاً بالصدق والعزيمة حين تقصد (غزة)..!!

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]