أتاتورك نيولوك
تقول القصة إن الرئيس الفرنسي السابق شارل ديجول كان مجتمعاً بزعيم الصين ومفكرها ومفجر ثورتها الثقافية الكبرى ونهضتها الحديثة ماوتسي تونغ فكان ديجول يتحدث بتبجح عن الثورة الفرنسية وما أحدثته من طفرة في القيم الإنسانية، فرد عليه ماو بالقول “إن الثورة الفرنسية ثورة حديثة عمرها حوالي مائتي عام فقط، وبالتالي يكون من المبكر الحكم عليها حكماً كاملاً”. بالطبع ماو يقول ذلك منطلقاً من حضارة عمرها أكثر من خمسة آلاف سنة حضارة تضج بالفلاسفة والعباقرة والحكماء من أمثال كونفوشيوس وغيره.
مناسبة هذه الرمية هي أن الحركات وإن شئت قل الأحزاب الإسلامية اجتمعت في العاصمة القطرية الدوحة بدعوة من مركز الجزيرة لتدارس تجاربها المعاصرة وفي إحدى المداخلات عن التجربة التركية الإسلامية الحديثة أرجع أحد الإسلاميين نجاحها النسبي للموروث الذي بناه مصطفى كمال أتاتورك إذ إنه من حسن حظ التجربة التركية أنها وجدت بناءً وطنياً متكاملاً ذلك الذي أقامه أتاتورك وكاد آخر أن يقول صراحة أن ذات التجربة التركية الإسلامية الحالية ماهي إلا امتداد لتجربة أتاتورك.
والمعروف أن أتاتورك في أدبيات الجماعة الإسلامية المعاصرة هو ليس الكافر المرتد الخارج عن الدين بل هو الشيطان الرجيم مجسداً يسعى بين الناس وهو الذي أراق دم الخلافة الإسلامية وهو الذي فصل تركيا من الشرق وجعلها تابعاً ذليلاً للغرب لم تقل تلك الأدبيات إن أتاتورك بنى أمة حقيقية وأقام دولة حديثة وحارب الفقر والجهل والمرض لم تنظر تلك الأدبيات لتجربة أتاتورك إلا من زاوية واحدة وهي فهمه للدين الذي جيرته لفهمه للدين ولعمرى إن في ذلك منتهى التطفيف فالنظرة الموضوعية كانت تقتضي أن ينظر لتجربة أتاتورك من جميع أوجهها ودواعيها أولاً ثم مجرياتها ثم حصادها وما لها وما عليها، وبغير ذلك تكون نظرة مطففة غير عادلة وغير موضوعية وغير علمية.
إن إعادة تقييم تجربة أتاتورك ومن قبل الجماعات الإسلامية ذات النظرة السالبة التي أشرنا إليها أعلاه يمكن اعتبارها صحوة تاريخية أو بالأحرى بداية وعي جديد بالتاريخ وإن شئنا الدقة فلنقل قراءة جديدة ومنصفة للتاريخ أفرزها الواقع المتطور في ذات تركيا وثورات الربيع العربي في العالم العربي، ومن المؤكد أن الوعي التاريخي المشار إليه لا يختص بإعادة قراءة للأحداث الماضية إنما يمكن اعتباره قراءة مبصرة للواقع الراهن بعبارة أخرى أن المراد هنا ليس أمراً تاريخياً إنما أمراً فكرياً معاصراً.
تأسيساً على ما تقدم ماذا لو قلبنا دفاتر السودان الحديث وأعدنا قراءتها؟ ماذا لو قرأنا التجربة التركية في السودان (1821 – 1884) بعيون ليس فيها تمجيد للإمام المهدي مع حبنا له كثائر أممي أو حتى وطني؟ ماذا لو نظرنا للمهدية بدون تقديس؟ ماذا لو درسنا التجربة الاستعمارية بموضوعية؟ ماذا لو قيمنا حركة التحرر الوطني بدون محاباة؟ ماذا لو قرأنا تجارب الحكم بدون تأثير للانتماء الخاص؟ من المؤكد أن أصناماً كثيرة سوف تتهاوى وأن مزالق كثيرة كان يمكن تجنبها ومطبات كثيرة كان يمكن تفاديها ونحن بصدد فهم مأزقنا الماثل..
حاطب ليل- السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]