جولة تفاوضيّة ثانية في الأفق.. كيف تنظر واشنطون لمصالحها في المنطقة؟
لا أحد من خارج دائرة صنع القرار السياسي يستطيع أن يتكهّن بماهيّة مسودّة الوساطة، لكن ليس في مقدور الرأي العام السوداني أن يكذّب الإشاعة المبثوثة حول دي فال، استنادا إلى عدة وقائع سابقة، كانت فيها الدول العظمى ذات يد طولى بمبعوثيها في صياغة الواقع السياسي السوداني. ما يشير، في نظر الكثيرين، إلى أن ماراثونا للأجندة الخارجية سيجرى خلال أيام المهلة، وبالطبع ليس مهما أن يكون سيئاً.
يقول سكرتير الحزب الشيوعي، محمد مختار الخطيب، وهو يتحدّث في ندوة مناهضة لمساعي الحكومة في طريقة حل الأزمات، إنّ المفاوضات التي تجري في أديس أبابا تقودها قوى دولية لإحداث اصطفاف سياسي يخصّها، تسعى من خلال هذا الاصطفاف إلى إعادة ترتيب المنطقة. ويعلن الخطيب بعد ذلك عن طريقة سودانية قومية للحل، لكن الحكومة تراها طريقة متعسفة.
تمثل أمريكا أبرز الدول المرشحة للركض برشاقة في ماراثون التأثير على المفاوضات المقبلة. وبالطبع ما يهم أمريكا هو أن تحدث التسوية في السودان الشمالي لأنّها تعضّد من نجاح دولة الجنوب التي هي نتاج عمل غربي طويل الأمد. وإذا لم تتوقف الحرب في الشمال ويتفق الشمال والجنوب على جوار آمن، فإنّه ليس ثمة إمكانيّة لبناء دولة الجنوب، وبالتالي لن تتحقّق المصالح الأمريكية هنا وهناك.
يتفق المراقبون على استعجال أمريكا من أجل إحداث التسوية بين الفريقين، ويشيرون إلى إن الاستعجال الأمريكي تفرضه مصالح تخصّها، ولربما لا يتعارض مع موقف الحكومة، إن لم يكن في صالحها، لأنّ أيّ سلام من شأنه أن يضعف هامش المناورة لبقية الحركات.
ويسمي المحلل السياسي محمد الفكي الجولة بكاملها بـ”البدائل، والدور الثاني لأمريكا في امتحان نيفاشا”.
حتى الآن بعثت الولايات المتحدة الأمريكية (9) مبعوثين إلى السودان، وذلك خلال العقدين الأخيرين، آخرهم دونالد بوث الذي يشارك إلى جانب الوساطة في المفاوضات، وظهر في الجولة وهو يحث الطرفين على ضرورة التوصل إلى حل حاسم خلال أيام أديس المعدودة، وحض الطرف الحكومي، بشكل مخصوص، على تقديم كل التنازلات الممكنة باتجاه الحل.
وثمة اتفاق بين صناع السياسة في الولايات المتحدة على أن السودان يحتل موقعاً مهماً في منظومة المصالح الأمريكية، بوصفه جزءا من سياسة توسيع النفوذ في القارة الأفريقية، وذلك للسيطرة والتحكم المستقبلي فى ثرواته الطبيعية وإنتاجه النفطي، خصوصاً وأن التنافس على أشده على المصالح البترولية في غرب أفريقيا بين أمريكا والصين.
مراقبون كثيرون، منهم الفكي، يرون أن السودان أصبح منطقة تقاطعات سياسية حادة، خصوصا بعد حالة الاستقطاب التي حدثت في مصر. ويقول الفكي تعليقا على التأثير الإقليمي والدولي على المفاوضات المقبلة إن الحركة الشعبية قطاع الشمال تتحرك، مرات، كجزء من تحالف سياسي داخلي كبير، يجمعها إلى الجبهة الثورية كحليف استراتيجي، وإلى بعض القوى والتيارات في الخرطوم كحليف في بعض القضايا.
في حلف الجبهة الثورية الإقليمي تظهر كمبالا كلاعب أول بعدة أوراق، يتمثل في كون كمبالا هي خط إمداد وارتكاز للجبهة الثورية في حربها ضد الحكومة، وحليف أساسي لرئيس دولة الجنوب سلفاكير ميارديت القابض على مفاصل الدولة ذات العلاقة المتشابكة مع قطاع الشمال.
إلى جانب أمريكا، يشير الفكي إلى أثيوبيا التي تقدم نفسها كقائد أفريقي جديد، إلا أن
أثيوبيا تنظر بحذر إلى جزء مقدر من منطقة الحرب في النيل الأزرق الواقعة على حدودها، حيث ترتكز قوات الحركة الشعبية التي يقودها رئيس الحركة مالك عقار.
حسناً؛ بحسب مبعوث أمريكي خاص سابق للسودان -برينستون ليمان- فإنّ الولايات المتحدة لا ترغب في إسقاط النظام في السودان، ولكنها تريد تغييرا سياسيا ناعماً”. بالطبع، سيتذكر المبعوث الحالي دونالد بوث هذا الكلام، وكذلك لن ينسى الفلسفة الأخلاقيّة لمواطنه الأسقف لانسلوت أندروس: “العالم صحن من اللحم الموضوع على المائدة، يقطع منه الإنسان ما يشتهي. وما إن يضع قطعة في صحنه، حتى تصبح له..!
صحيفة اليوم التالي
[/JUSTIFY]