الطاهر ساتي

( كلنا ح نطلع البرج )

( كلنا ح نطلع البرج )
** قبل كم سنة، وكان الدكتور عبد الحليم المتعافي والياً بالخرطوم، صعد أحد المواطنين إلى برج البركة، حتى بلغ الطابق الأخير..ومن هناك، هدد بالإنتحار ما لم يأت الوالي بحلول عاجلة لمشاكله، وكانت المشاكل : إيجار كم شهر، رسوم مدارس، حق العلاج، وتفاصيل أخرى..المهم، تدخلت الشرطة بالتفاوض، وأنقذت المواطن من الموت إنتحاراً وأحالته إلى التحقيق والمحاكمة، ولكن مسؤولاً بالخرطوم صرح لصحف اليوم التالي قائلاً : (نحن ح نحل مشاكل المواطن اللي طلع البرج)..أعجبني التصريح، فكتبت زاوية تحت عنوان 🙁 كدة تمام، كلنا ح نطلع البرج )..!!

** وليس في الأمر عجب أن يعيد عنوان تلك الزاوية ذاته في زاوية اليوم، أي كما أزمات بلادنا التي نعيد إنتاجها ذاتها كل يوم منذ فجر الإستقلال..فلنقرأ الخبر الآتي : ( وجه مدير جامعة الخرطوم عمداء الكليات بإعفاء طلاب دارفور من الرسوم الدراسية، وكذلك وجه بتسجيل طلاب القبول الخاص بدون رسوم لحين التشاور مع السلطة الإنتقالية لدارفور عن وضعهم)، هكذا الخبر ..أي إعفاء من رسوم القبول العام، ثم تأجيل رسوم القبول الخاص..ليس في التوجيه ما يعيب، إذ ظروف الأهل الأمنية والإقتصادية بدارفور تستدعي مثل هذا التوجيه، ليس في جامعة الخرطوم فحسب، بل في كل جامعات البلد..فالتوجيه صائب.. يلا، (نقرض على كدة)، و.. نواصل ..!!

** بالنيل الأزرق أيضاً – كما دارفور – يعيش الأهل ذات الظروف الأمنية والإقتصادية، بل ظروفهم تكاد تكو هي الأسوأ في طول البلاد وعرضها، ولهم أبناء وبنات بجامعات ومعاهد بلادهم، بما فيها جامعة الخرطوم ذاتها، فلماذا لم يشملهم هذا التوجيه الإنساني؟..وهناك بجنوب كردفان أيضاً، نزح بعض الأهل و يرزخ البعض الآخر تحت صواريخ الحركة الشعبية، وحل التوجس محل زرعهم وضرعهم وأمانهم، ولهم أيضاً – كما الأهل بدارفور – أبناء وبنات بجامعات ومعاهد السودان، بما فيها جامعة الخرطوم ذاتها، فلماذا لم يشملهم هذا التوجيه الإيجابي ؟..وبالشمالية أيضاً، هناك المناصير، وهم في سلام وليس في ذلك شك ، ولكنهم منذ خمس سنوات يفترشون الأرض ويلتحفون السماء بلا زرع يكفي ضرورات حياتهم وبلاضرع يجلب كماليات حياتهم، و لهم أيضاً – كما الأهل بدارفور – أبناء وبنات بجامعات ومعاهد السودان، بما فيها جامعة الخرطوم ذاتها، فلماذا تجاوزهم هذا التوجيه الإنساني ؟.. والإعسار يطارد الزراع بالجزيرة والمناقل منذ سنوات، وعطش زرع هذا العام بسوء الإدارة، ولهم أيضاً – كما الأهل بدارفور – أبناء بالجامعات والمعاهد.. وهناك أيضاً ..!!

** عفواً، فالزاوية لن تسع اسماء الولايات والمناطق، ولا تفاصيل حياة أهلها التي لايختلف لون وطعم ورائحة فقرها وضنكها عن لون وطعم ورائحة الفقر والضنك في تفاصيل حياة الأهل بدارفور.. نعم، لقد تساوت الأسر التي تقطن بالطينة بالأسر التي تقطن بالقطينة، من حيث الفقر وضنك الحياة والعجز عن تحمل رهق الرسوم الدراسية.. وكما نجحت سياسة حمدي سابقاً، نجح نهج على محمود حالياً، في تحقيق شعار : (سواسية أهل السودان جميعاً في الشكوى من قلة الفئران في منازلهم)..أمام شعار كهذا، وبعد أن صار واقعاً معاشاً على أرض واقع الحال العام، أليس مدهشاً بأن يكون هذا التوجيه الإنساني جزئياً، وليس شاملاً؟.. وعليه، سادتي وأساتذتي بالتعليم العالي وجامعات السودان، تحية طيبة وبعد، ناهيكم عن أبناء وبنات السودان بالداخل، بل السواد الأعظم من أبناء وبنات المغتربين بحاجة إلى نهج قويم ينظر إلى رسومهم الدراسية – عامة كانت أم خاصة – بعين الرأفة والرحمة ..ونعلم أن صواريخ مناوي بالفاشر هي التي أعفت طلاب دارفور من رسوم القبول العام والخاص .. وهكذا نهجكم، بحيث لم يعد ينظر بالرأفة والرحمة إلا من (يطلع البرج) ..!!

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]