وفد المنطقتين .. أزمة تمثيل
الاعتراضات على مكونات وفد التفاوض لم تكن وليدة تصريحات عفاف واستبقتها من قبل تحفظات خجولة سواء في مواجهة وفد الحركة أو وفد الحكومة، وفي كل الأحوال كان (الطناش) إجابة السائلين.
عاصفة التغييرات في الوفد المفاوض أخذت تشتعل بعد بروز العديد من الأسماء في المعادلة السياسية لجنوب كردفان كانت غائبة رغبة أو قسراً فبرز تلفون كوكو أبو جلحة وخميس جلاب، فيما كان دانيال كودي على رصيف الانتظار، لتكون المفاضلة مبنية على ضمير مستتر تقديراته عند المؤتمر الوطني، ليكون السؤال على ضوء كثافة المطالبات: هل يمكن أعادة تكوين وفد التفاوض بعد امتلاء الساحة بالأسماء المطروحة والمقترحة مثل تلفون كوكو وإسماعيل خميس جلاب؟
المدخل في المطالبة بإعادة تكوين الوفد أرجعه كثيرون لاختلاف التصورات الذهنية بين الحكومة والحركة الشعبية لتعريف أزمة جنوب كردفان، ففي الوقت الذي تنظر فيه قطاعات شمالية للازمة باعتبارها أزمة الولاية ككل، كان السواد الأعظم من منسوبي الحركة الشعبية قطاع الشمال يعتبرون أزمة الولاية هي أزمة أبناء جبال النوبة بحكم التهميش المركز في واقعها بالإضافة للاختلاف العرقي؟ حسب وصفها، وهو ما تؤكده معظم الأجسام النقابية لأبناء جبال النوبة بالجامعات السودانية وبلغت الأزمة التعريفية في بعض الأحيان رفض تسمية الولاية بجنوب كردفان وقصرها على اسم جبال النوبة.
عموماً .. فإن تصدي أبناء النوبة للمظالم الاجتماعية والسياسية وخروجهم على سلطة المركز لم يكن وليد الإنقاذ وإنما منذ وقت مبكر من خلال تمرحل عملية التطور السياسي بالمنطقة، وبلغت تجلياته في الاقتران بالحركة الشعبية منذ تكوينها في 1983م لتمضي الخلايا الأولي منذ 1984م في تجذير الارتباط بين الطرفين في مراحل الصراع المختلفة حتى حدث انفصال الجنوب، الأمر الذي كان له أثره في إعادة تعريف العلاقة على ضوء ورثة قطاع الشمال لمجمل التركة الجنوبية بما في ذلك التحالفات السياسية والاجتماعية، ليكون أبناء النوبة النواة الأساسية لبقاء القطاع..
إعادة تعريف العلاقة بعد خروج الجنوب كانت له تداعياته غير المحمودة في إحداث شروخ داخلية بين أبناء النوبة وبين القيادة السياسية للقطاع، حيث اعتبر كثيرون إن الجنوب قام باستغلال أبناء الجبال في دعم نضاله حتى تحقق له ما أراد، فيما بقي حال الجبال كما هو في مواجهة قسوة الخرطوم، وأخذت عدد من قيادات الجبال في الخروج على سطوة الحركة فبرز اللواء تلفون كوكو واستبقه اللواء دانيال كودي، وأخيراً إسماعيل خمس جلاب، فيما بقيت الغالبية العظمي من أبناء النوبة ملتزمة بتوجهات الخط السياسي للحركة قطاع الشمال بحكم السيطرة المثالية لعبد العزيز الحلو باعتباره أحد رموز النضال النوبي..
أولي المطالبات العاصفة حيال تكوين وفود تفاوض المنطقتين خصوصاً جنوب كردفان كانت بعد إطلاق سراح القائد تلفون كوكو في ابريل 2013م مبتدراً تصريحاته السياسية بإعلانه لـ(الرأي العام) عدم الاعتراف بقطاع الشمال وأنه فقط يقر بقطاع جبال النوبة، وقتها ذهب كثيرون لتفكيك طلاسم اعتقال القيادي النوبي، وربطها بقيادته خط توحيد لأبناء جبال النوبة وإطفاء نيران الاختلافات، وهو ما أكده لي النقيب السنوسي نايل مدير مكتب تلفون، وكشف عن إن السبب في اعتقال قائده جاء عقب مؤتمر (ياي) الذي تم التصالح فيه بين قيادات أبناء جبال النوبة التي يمثلها تلفون كوكو وإسماعيل خميس جلاب ودانيال كودي تحديداً في مارس 2010م، وبعد الوصول لنقطة التصالح فيما بينهم وتجاوز خلافاتهم التي كانت فيما مضي سبباً في ضعف قضية جبال النوبة والتأمين على ان يعملوا من أجل القضية، الأمر الذي آثار تخوف قطاعات عريضة من لم الشمل لأبناء جبال النوبة.
في المقابل برز أسم إسماعيل خميس جلاب المنتسب لصفوف الحركة الشعبية في ديسمبر 1985م، كأحد إبرز قيادات جبال النوبة، الذي تم إبعاده بالفصل من الحركة قطاع الشمال في فبراير الحالي، والذي أعلن بوضوح أن رئيس وفد الحركة لا يعبر عن قضايا الجبال، هو الأمر الذي يصب في ذات اتجاه إعادة تغيير الوفد المفاوض..
جلاب نادي في وقت سابق منذ وجوده ضمن أجهزة الشراكة بين الحكومة والحركة الشعبية بأهمية عقد مؤتمر عام بجنوب كردفان يضم كل أبناء جنوب كردفان بمختلف أحزابهم لتحديد القضايا التي تهمهم، وكشف خميس جلاب آنذاك أن أبناء الجبال بعد التوقيع على بروتكول الترتيبات الأمنية 2004م ضمن مفردات نيفاشا ذهبوا كمجموعة من ضباط منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق إلى قرنق، وابلغوه احتجاجهم على بروتكول الترتيبات الأمنية، وإنهم طالبوا كأبناء جبال النوبة بحق تقرير المصير، وقال: (قرنق أكد لنا أنه لن يخذل النوبة”لأنهم وقفوا معي بالسلاح لذا لن أخذلهم بالكلام”)، وكانت وضعية الحركة بجنوب كردفان واحدة من هموم جلاب، ونقلت تقارير إعلامية سابقة قوله إن الحركة هناك تحتاج إلى إعادة ترتيب ووحدة، وأن تعمل عبر مؤسساتها، الأمر الذي يشي بعدم رضا الرجل عن حركته قبل مغادرته.
آراء الرجل ومواقفه بغض النظر عن الاتفاق معها أو رفضها تظل موضوعية لجهة ما يضيفه زخمه من أضواء للمعادلة السياسية بجبال النوبة، خصوصاً إذا تم اعتبار أن كوكو ودانيال كودي وجلاب ضمن معسكر واحد في مواجهة القطاع أو عبد العزيز الحلو تحديداً، خصوصاً وان الأخير لا يزال ممسكاً بزمام الأمور بالمنطقة والمخطط الأول والأخير للعمليات العسكرية في مواجهة الخرطوم، ما يجعل إعادة تسمية وفد المفاوضات على ضوء المطالبات الأخيرة، هي مواجهة مؤجلة بين أبناء النوبة وتياراتهم المختلفة، لجهة ان جزءا مقدراً من أبناء الجبال ضمن الوفد الحكومي وآخرون ضمن وفد الحركة، بالتالي فان إضافة أسماء جديدة ربما تضاعف سخونة المفاوضات التي أضحت محكومة بورقة الوساطة..
smc
ت.إ[/JUSTIFY]