مسارات المناظرة.. بين دعوة الوطني ورفض تحالف المعارضة
عرفت الحياة السياسية السودانية التحالفات الحزبية والجبهوية منذ فترة طويلة وتحالف قوى الإجماع الوطني الذي يضم أحزاب (الأمة والشيوعي والشعبي والبعث العربي الاشتراكي والمؤتمر السوداني وحركة القوى الجديدة الديمقراطية والحزب الناصري والتحالف الوطني والعدالة الأصل وأحزاب الحركة الاتحادية وغيرها من أحزاب التحالف الأخرى) لا يختلف كثيرا عن التحالفات السياسية التي شهدتها الساحة من قبل، ذات التحالف الموسوم بـ(قوى الإجماع الوطني) أعلن مقاطعته ورفض تلبية دعوة الاستماع لخطاب رئيس الجمهورية الذي دعا فيه القوى السياسية للحوار الوطني قبل نحو أكثر من ثلاثة أسابيع.
الخطاب الذي عرف مجازا بخطاب (الوثبة) شاركت فيه ثلاثة أحزاب قامت بتلبية الدعوة هي (الأمة القومي) والذي حضر رئيسه الإمام الصادق المهدي و(المؤتمر الشعبي) الذي حضر أمينه العام الدكتور حسن عبدالله الترابي و(حزب العدالة الأصل) وبعد ذلك أعلن حزبا (الأمة والشعبي) دخولهما في حوار مع الوطني عقب دعوة رئيس الجمهورية بغية الوصول إلى تفاهمات في أمهات القضايا، ولكن حتى الآن لم يصلا إلى نقاط مشتركة أو تفاهمات حول الأجندة المطروحة بينهما.
دخول الحزبين في حوار مع الوطني لم يفقدهما عضويتهما في تحالف قوى الإجماع الوطني، بحسب المهندس صديق يوسف أمين الإعلام بالتحالف لاعتبار أن قرار الحوار قرار تنظيمي يخص التنظيم والحزب الذي اعتبر أن لديه استقلاليته، مشيرا إلى أن الشعبي لازال عضوا في التحالف بينما جمد حزب الأمة عضويته في التحالف، مبينا أن قرار التحالف يختلف عن قرار الحزب الذي ينضوي تحت لواء التحالف.
حزب المؤتمر الوطني بدوره اتخذ عدة مسارات للحوار لتحقيق أجندته التي يهدف إلى تحقيقها بغية تمديد فترة بقائه في سدة الحكم، ومن خلال تكتيكاته السياسية نجح في انتزاع الموافقة المبدئية على الحوار من حزبين كبيرين من أحزاب تحالف قوى الإجماع الوطني هما (الأمة والشعبي) إلى جانب محاولاته المستميتة لانتزاع حوارات ثنائية أخرى مع فصائل الجبهة الثورية السودانية التي تضم أربع حركات مسلحة هي (الحركة الشعبية قطاع الشمال وحركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور وحركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي) ونجح الوطني في الدخول في مفاوضات ثنائية مع الحركة الشعبية قطاع الشمال في (أديس أبابا) ويعتزم الدخول في مفاوضات أخرى مع الحركات الدارفورية في منبر (الدوحة).
المرمى الذي يسعى حزب المؤتمر الوطني الحاكم إلى تحقيقه يتمثل بحسب المتابعين في السير في الحوارات الثنائية والجزئية مع (الأمة والشعبي) بالداخل من جهة ومع (الحركة الشعبية قطاع الشمال) بأديس أبابا من جهة أخرى ومع الحركات المسلحة الدارفورية الثلاث في العاصمة القطرية (الدوحة)..
وفي ما يتعلق بمفاوضات (أديس أبابا) بين الحكومة والحركة أعلن تحالف قوى الإجماع الوطني، بحسب أمين إعلامه صديق يوسف، موافقته على النقطتين المتمثلتين في (وقف الحرب ومعالجة القضية الإنسانية) وأعلن رفضه النقطة الثالثة المتمثلة في الحل السياسي الجزئي لقضايا المنطقتين وتمسك بالحل الشامل لجميع قضايا السودان. ودافع يوسف عن مواقف الحركة الشعبية واعتبر أنها غير متناقضة في مواقفها مع قوى الإجماع وذلك لاعتبار أن دوافع تفاوضها مع النظام جاءت بقرار من مجلس الأمن الدولي..
ولكن المعارضة المدنية ممثلة في تحالف قوى الإجماع الوطني والمعارضة المسلحة ممثلة في الجبهة الثورية السودانية توافقتا على وثيقة عرفت باسم (البديل الديمقراطي نحو فجر جديد) والتي تهدف بدورها إلى حل شامل لقضايا البلاد، الأمر الذي تعتبره الفصائل الموقعة على الوثيقة موقفا مبدئيا.
وبالعودة للوراء قليلا وقبل نحو أكثر من ثلاثة أسابيع تقريبا، دعا المشير عمر البشير رئيس الجمهورية ورئيس حزب المؤتمر الوطني الحزب الحاكم، دعا جميع القوى السياسية المدنية والعسكرية للجلوس إلى حوار وطني لتحقيق وثبة سودانية وطنية شاملة طموحة لحل مشكلات البلاد تقوم على أربعة محاور حددها في (السلام، وحرية العمل السياسي، والقضايا الاقتصادية والهوية السودانية) وفي ذلك الخطاب الشهير دعا البشير القوى السياسية لأن تهيئ نفسها للمرحلة القادمة بغرض الدخول في حوار وطني شامل في أمهات القضايا الوطنية والعمل لخلق مجتمع سياسي حر يراعي الحقوق الدستورية، وأطلق نداء لانتخابات حرة ونزيهة ودستور دائم وحرية الترتيب السياسي وحمل ذات الخطاب كثيرا من المضامين السياسية في طياته.
تحالف قوى الإجماع الوطني بحسب ممثله مالك أبو الحسن نائب الأمين العام لحزب المؤتمر السوداني اعتبر الحوار الذي دعا له حزب المؤتمر الوطني حوارا جزئيا انتقائيا يشمل البعض وليس الكل، وأبان أن الوطني لديه دوافع يريد تحقيقها من خلال الحوار الذي ينشده أبرزها أنه يريد الالتفاف حول أزمات البلاد الراهنة من خلال الحوار وكسب تأييد المجتمع الدولي، إلى جانب أنه يريد تهيئة الجو المناسب للاستحقاق الانتخابي القادم للحصول على شرعية، الأمر ذاته ربما دفع الحزب الحاكم في الدخول في حوارات مختلفة مع عدد من الحركات المسلحة يريد من خلالها أن يتوصل إلى وضع انتقالي أشبه بوضع (نيفاشا) يكسب به شرعية تؤدي إلى إطالة فترة بقائه على سدة الحكم ويقود في نهاية المطاف إلى استنساخ نسخة جديدة لنظام شمولي يلحق به بعض المتهافتين.
وحذر أبوالحسن من مخاطر مثل هذا النواع من الحوارات واعتبر أنها لا تحقق حلا لمشكلات البلاد الراهنة، فضلا عن أنها لا تقود إلى تغيير سياسي وإطلاق الحريات العامة، واعتبر أن مثل هذه الحوارات ستكون خصما على أحزاب المعارضة ولا تقود إلى تحقيق مطالب الجماهير، وتؤدي إلى إطالة عمر النظام بحسب مالك أبو الحسن.
الحقائق التاريخية تؤكد أن جميع الاتفاقيات التي تم توقيعها مع حزب المؤتمر الوطني لم تقد إلى تحقيق التحول الديمقراطي وإطلاق الحريات العامة وتحقيق التنمية المتوازنة، فضلا عن أن جميع دعوات الحوار التي طالبت بها أحزاب المعارضة السودانية رفضها الحزب الحاكم.
المواقف التاريخية المتراكمة ذاتها هي الأخرى دفعت تحالف المعارضة لأن يتحفظ تجاه دعوة رئيس الجمهورية إلى الحوار التي اشتملت على أربع قضايا أساسية هي (إيقاف الحرب وتحقيق السلام والانتخابات وحرية العمل السياسي والأزمة الاقتصادية والهوية السودانية).. وأبان التحالف بحسب المهندس صديق يوسف أمين الاعلام أن الحرب تسبب فيها المؤتمر الوطني وعليه إعلان وقفها بقرار شجاع رأى أنه لا يحتاج إلى حوار، أما دعوته إلى الانتخابات وحرية العمل السياسي فتحتاج إلى إلغاء القوانين المقيدة للحريات وتهيئة البيئة الديمقراطية واعتبر أنه ليس موضوع حوار وإنما من متطلبات الحوار وشدد على ضرورة (إيقاف الحرب وإلغاء القوانين المقيدة للحريات) وأكد أنها شروط لا يمكن أن يتنازل عنها التحالف.
وفي ما يتعلق بالأزمة الاقتصادية طالب صديق المؤتمرَ الوطني بالاعتراف بالأخطاء وإلغاء السياسات الاقتصادية الأخيرة، أما في ما يختص بموضوع الهوية فطالبه بإيقاف إثارة النعرات القبلية وإيقاف تسليح القبائل و(الجنجويد) والاعتراف بالآخر وحقوقه.
حسنا، هناك مطلوبات وبيئة محددة للحوار لابد أن تتوفر.. الأمر ذاته ربما دفع تحالف قوى الإجماع الوطني لأن يتمسك بموقفه المبدئي الداعي إلى ضرورة تشكيل حكومة انتقالية، ويوضح التحالف أن هناك فرقا بين الحكومة الانتقالية التي تتم بتوافق جميع القوى السياسية، والحكومة القومية التي يدعو لها النظام، مبينا أن الحكومة الانتقالية التي يدعو لها تعمل لعقد مؤتمر دستوري وتحقيق العدالة الانتقالية وإطلاق الحريات بغرض التوصل في نهاية المطاف إلى ديمقراطية راسخة وتنمية حقيقية وسلام وطيد
عبدالرحمن العاجب: صحيفة اليوم اليوم التالي
[/JUSTIFY]