تحقيقات وتقارير

نافع شيخاً.. ألقاب في عصر الإنقاذ


[JUSTIFY]قبل سنوات قال الكاتب الصحفي المثير للجدل ذو الخلفية الأدبية الروائية إسحق أحمد فضل الله متحدثا عن أستاذ الجيل نبيل غالي في عموده بصحيفة (الحياة السياسية) التي اختفت في ظروف غامضة (إن نبيل غالي واقف في منتصف الجسر بين الصحافة والأدب لا استقر عند محطة الأدب ليصبح أديبا ولا عبر إلى محطة الصحافة بالناحية الأخرى من الجسر ليكون صحفياً).. خبر مقتضب هو سبب استعادة هذه الجزئية من عمود (الشيخ) إسحق حول (شيخ) الصحفيين نبيل غالي خبر فحواه وعنوانه: (نافع شيخا بالفتيحاب اليوم)، وذلك في الاحتفال بالذكرى الستين للشيخ عدلان عبد الله التوم أمس الأول، وخلافة ابنه الشيخ السر عدلان (المك) بتشريف الخليفة الطيب الجد ومريديه بأم ضوا بان و(الشيخ) الدكتور نافع على نافع الذي ستتم مشيخته بأبي سعد.

الخبر نفسه يلفت النظر إلى بحث العلاقة بين بيوتات الصوفية ومنظومة الإنقاذ ؛ فالمؤسسة الصوفية تترفق بالناس وتجمعهم على دائرة المديح والذكر وحول صحن العجين مقابل انتماء عاطفي يوفر للمريدين حالة من الانجذاب والراحة النفسية والإعلاء من شأن قيادة المؤسسة بشكل عبرت عنه المقولة الصوفية التي تشرح حال المريدين مع شيخهم (علاقة المريد بالشيخ كالميت بين يدي غاسله) وهذا بالطبع وفر لمنظومة الإنقاذ رصيدا أصم عندما نجحت في استمالة قيادات من الطرق الصوفية إلى جانبها ليصب الرصيد الجماهيري لهذه القيادات (أوتوماتيكياً) في شريحة الإنقاذ وهذا يفسره الغضب العارم الذي جابهت به بعض القيادات الناشزة من الطرق الصوفية وميلها ناحية سياسية أخرى ليست على وفاق معها كما هو سابقا مع الطائفة الختمية ومع القادرية والشيخ الجعلي.

ولا جدل في أن للألقاب المختلفة محمولاتها وإشاراتها في أدبيات الطرق الصوفية ونجد (الشيخ) و(رجل أمّرحي) وعند الفقهاء نجد الحبر والفقيه والعلامة وما إلى ذلك من ألقاب، وذات أمر الألقاب صار مشهورا لدى الساسة الذين يتدثرون بغطاء ديني رقّ أم ثقل طال أم قصر.

عصر الإنقاذ ازدهر بازار الألقاب التي تفرقت بين اللاعبين الأساسيين والبدلاء واختلطت مع ألقاب أخرى عند شخصيات بحسب الدور والطبيعة والملامح واقتصرت عند آخرين على واحد أو أن ينطق الاسم حافا .

الترابي نفسه تعلق به لقبان في وقت واحد فهو الدكتور والشيخ أي أنه رجل الدين والفقه والتفسير وفي ذات الوقت هو الأستاذ الجامعي (الأفندي) اللابس لربطة العنق.. وامتلاك الألقاب أمره الحاسم لدى من يعتقد في وجود إشارات هذه الألقاب ومدلولاتها وصداها ومحمولاتها أكثر من الشخص المسمى باللقب نفسه.. وذات الأمر التصق بالقيادي علي عثمان محمد طه الذي يأتي اسمه مقرونا بشيخ علي حينا والأستاذ علي عثمان محمد طه أحايين كثيرة، وهو أيضا نجح في المزواجة بين العالمين بحسب دور كل لقب في ما يناسبه من صفات الألقاب .

أما الدكتور نافع على نافع فلم يروّج وينتشر له لقب (شيخ) قبل أن تتكرم عليه مشيخة أولاد عدلان بذلك في يوم من الأيام على نطاق واسع ربما إلا وسط الدائرة الضيقة حوله في الحزب والحكومة، إذ أن حركتها تدور حول فلك الرجل أغلب ساعات النهار والليل، أما لقب الدكتور فسبببه هو السمة والخلفية الأكاديمية وتخصصه في العلوم الزراعية وعمله في كليتها بجامعة الخرطوم كما أن المهام التي أوكلت للدكتور نافع في الأجهزة الأمنية بالإضافة إلى مزاجه الحاسم والواقعي واللسان صاحب المصطلحات الحصرية في شتم كل من يعارض توجهات الإنقاذ هي المبرر الاكثر وجاهة الذي أبعد عنه لقب شيخ على مستوى من الرواج والقداسة التي نجدها لدى كثير من الساسة والأكاديميين ممن رجالات الإنقاذ.

ولابد أن نلفت إلى أن زميل الدكتور نافع بجامعة الخرطوم استحق لقب شيخ برغم الخلفيات الأكاديمية التي منحته عن استحقاق لقب (البروف) ورغم قطعياته ومجهاداته في أحراش الجنوب وخبرته في لغة الحرب لكن وجود الشفرة التي تهب الإحساس بالشياخة لدى الآخرين هي التي أعطته الاستحقاق والمزاوجة كما ذكرنا بين الحالة (الأفندية) الأقرب إلى السياسة وحالة الشياخة في آن.

وعلى هذه الخلفية والملاحظات والتطورات الدراماتكية المفاجئة التي أخرجت الدكتور نافع بعيدا عن القيادة ومنابر الإعلام وقلب الحراك السياسي الملتهب، هل من الممكن القول إن الدكتور نافع تعثرت خطاه في الجيئة والرواح على ممشى نهايتي الجسر الرابط بين الشياخة والأستاذية واحتراف السياسة؟ لأن الأمر تطلب قدرا من الدبلوماسية والابتسامات الصفراء أو استكمال شروط الشياخة وقداستها وسمتها فهو لا عبر ولا بقي يمارس السير بين المحطتين، فسقط من ثقوب التحديات والابتلاءات والمواجهات في أسفل الجسر بدون أن تغرقه، لكنه على أية حال سيصر على ممارس السباحة المرهقة إلى أن يصل إحدى المحطتين، فقد سئل عن ذلك بعد الزلزلة وقال ما معناه: (السياسة ما عندنا بلاها شغلة

أحمد عمر خوجلي : صحيفة اليوم التالي[/JUSTIFY]