هاشم مكاوي : محنة الثوابت والقضايا (المصيرية) في السياسة السودانية
ما ترانا نقول إلا قديما
أو معادا من قولنا مكرورا
لكل أمة من الأمم أو شعب من الشعوب (ثوابت) و (مسلمات) وقضايا (مصيرية) قومية، مقدسة وخطوط حمراء، لا تمس، في تقديري المتواضع، بيد أي (حاكم) أتت به الظروف إلي (سدة الحكم) سواء أكان ذلك عن الطريق (الديمقراطي) المشروع بالانتخاب الحر، أو بالطرق الأخرى (الاستثنائية) غير المشروعة (كالانقلابات العسكرية) فالتعامل أو التصرف في مثل هذه (القضايا) لا يتم إلا بعد الرجوع إلي (الأمة) قاطبة عن طريق (الاستفتاء) الشعبي العام الحر الصريح العادل.
فكلا النظامين، الديمقراطي أو الاستثنائي لا يحق لأي منهما التقرير بشأن تلك القضايا. فالنظام (الديمقراطي) ومهما كانت نسبة الأغلبية التي أتت به إلي سدة الحكم فهو في النهاية لا يمثل إلا جزء من الأمة وليس الأمة علي إطلاقها. وأما (الشمولي) فيكفي أنه (استثنائي) وهو بذلك خارج النص ناهيك عن تصرف في قضايا (مصيرية) لوطن. فالأمة مجتمعة هي صاحبة القرار الأصيل في مثل هذه القضايا.
ومن القضايا المصيرية التي نتحدث عنها رقعة ومساحة الأرض التي تقيم وتعيش عليها تلك الأمة بحدودها الجغرافية المعروفة محليا وإقليميا وعالميا. ويدخل في ذلك كافة مقدراتها وممتلكاتها علي سطح وداخل تلك المساحة من الأرض وكذلك في الأنهار والبحار والأجواء السماوية وفق المواثيق والقوانين الدولية. وبالرجوع إلي الأحداث التي مرت بهذه البلاد في التاريخ الحديث نجد أن تلك (القضايا) قد تعرضت لانتهاكات وهزات ترقي إلي مستوى جريمة (الخيانة العظمى).
بعض هذه الثوابت قد ولى إلي غير رجعة مثل كارثة (انفصال الجنوب) وتلك الكارثة التي لن تنساها الأجيال ولن يغفرها التاريخ. وقديما (جدودنا زمان وصونا علي الوطن) فلنحافظ علي ما تبقى منه عملا بحكمة الفيلسوف الشعبي جحا (الجايات أكتر من الرايحات) وبالمقولة المعبرة أيضا والتي تتردد هذه الأيام في ذات المعنى (الجفلن خلهن أقرع الواقفات).
فلنكن صريحين وصادقين مع أنفسنا ولنضع النقط فوق الحروف. ولنقل الحقيقة وألا نخشى في ذلك لومة لائم.
فعندما نتحدث عن هذه (القضايا) فإننا نتحدث بصدق وقلب مفتوح عن هم (وطني) عام وليس عن شأن (خاص) نبتغي من ورائه الزلفى وحسن المآب من أي أحد وإنما بقصد العظة والذكرى والاعتبار والتحوط من تكرارها في المستقبل.
وبكل صراحة فإن الطريقة التي تم بها (انفصال) الجنوب بموجب اتفاقية (نيفاشا) في عام 2005م لم تكن بالإجراء السليم، رغم المبررات التي سيقت استنادا علي المعايير التي تحدثنا عنها في هذه الكلمة.
نعم إن الأحزاب ففي لقاءاتها المختلفة مع الراحل (قرنق) وفي مغازلتها له لخطب وده للكسب الحزبي الرخيص وبطريقة (الحشاش يملا شبكتو) قد وعدته منفردة بالموافقة علي مبدأ (تقرير المصير) وفعلت ذلك (مجتمعة) في (مؤتمر اسمرا) (التجمع الوطني) عام 1995م برئاسة مولانا السيد/ محمد عثمان الميرغني بالموافقة علي (كل) مقررات المؤتمر بما فيها (قرار) مبدأ (تقرير المصير) للجنوب.
وقد يقول قائل إنما تم كان تحصيل حاصل. نعم، ولكن رغم ذلك كقرار (مصيري) في حق الوطن كله كان ينبغي، كما أسلفنا أن يتم عبر (استفتاء) شعبي عام لكل فرد من أفراد (الأمة) ممن تنطبق عليهم الشروط لذلك. فاستفتاء (الجنوبيين) لوحدهم لم يكن صحيحا لأنهم (جزء) من (كل) كما أن استفتاءهم هذا لم يكن هنالك أي داع له. وهل كان هنالك عاقل يتوقع أن تجئ النتيجة بغير الذي جاءت به في (الاتجاه المعاكس) للوحدة وبنسبة (98.3%) وقد أهدرت في ذلك أموال وجهود ووقت دون مبرر.
لم يكن الغرض من هذه الكلمة نبش مواجع ونكأ جراح لم ولن تندمل، وإنما هدفت فقط إلي التذكير ولفت نظر السادة فقهاء (القانون الدستوري) عندنا والذين يناط بهم كتابة مسودة مقترحات (الدستور) المقبل للبلاد تضمين نصوص واضحة تصون حرمة قدسية تلك المؤسسات إلا بحقها وبالطرق (الحضارية) المعروفة.
وهناك أيضا مؤسسات أخرى لها ذات الأهمية ينبغي أن تراعيها نصوص (الدستور) مثل (حياد) كل المؤسسات (القومية) التي ينطبق عليها هذا المسمى مثل : المؤسسة (العسكرية) والقوات النظامية الأخرى بكل مسمياتها كجهاز (الشرطة) و(الأمن) وأجهزة (الإعلام) وخلافها لتكون بعيدة عن (الصراع السياسي) و (الاختراقات) الحزبية والعقائدية والمذهبية التي سعت من قبل إلي اختراقها ببناء خلايا ومنظمات (سرية) خاصة ومسيسة في داخلها مما يفقدها حيادها وقوميتها.
صحيفة آخر لحظة
ت.إ[/JUSTIFY]