تحقيقات وتقارير

الدنيا نسيم وربيع تفاصيل يوم مغيم

[JUSTIFY]كانت الخرطوم أمس مدينة غير التي اعتادت أن تشاكس (نيلها) حين لا تجد الذي تشاكسه وكانت علي درجة عالية من التسامح منعت حتى الشمس من أن تضرب رؤوس الذين يجاهدون في شوارعها وتقاطعاتها بحثاً عن كسرة رغيف معطونة في العرق الحلال. رذاذ المطر المنهمر على الشوارع جعل سكان المدينة يرحلون بها نحو المدن المستحيلة. العبارة الأكثر حضوراً في يوم الخرطوم المنقضي كانت: (دا جو أوروبي) البعض يقول إن الأقربين أولى بالمعروف فيمضي بتشبيهات نحو طقوس الأفارقة في نيروبي واديس ابابا واسمرا شرق المحبة. ورذاذ مطراً اعتبرته الشوارع يغسل سواد الوجع في القلوب والنيات كعادتها أكثر بياضاً.. الوجوه فارقت تكشيرتها القديمة وكأن معركة السودانيين مع الشمس وارتفاع درجة حراراتها وليست مع شيء آخر.

ذات جو ربيعي تناسى الخرطوميون في صباحاتهم معركة الصيف الساخن وما يمكن أن تفرزه مباريات ماراثون التفاوض وما يمكن أن يحدث في عملية تجميع (الشتات الوطني) على كلمة الحوار وانتظار مترتباته. الطقس السائد في الخرطوم أمس سرعان ما قام السودانيون بتوظيفه سياسياً ليتواءم وعموميات المشهد المحتقن .

أول توظيف لغمام الخرطوم وسحبها التي غطت سماءها اتجه به البعض نحو جدل اليوم الأمس وغداً؛ فالبعض قال إن (جو الخرطوم اليوم هو جو مفاوضات بس). ربما للرؤية ما يدعمها فالمتابع لمشهد السياسة السودانية يلمح بشكل كبير حالة التسفار المتتالي لقياداتها إلى المدن ذات الطقس المعتدل من اجل خوض غمار التفاوض لحلحلة القضايا العالقة يدعمون رؤيتهم بما حدث في ضاحية ميشاكوس الكينية قبل وصولاً لنيفاشا ومن ثم التوقيع النهائي. وفقاً لبعض الدراسات فإن ارتفاع درجات الحرارة يوثر علي الشخص ويجعله كثير الغضب سريع الانفعال وربما عدوانيا، مما يصعب من عملية الوصول إلى حالة من الاتفاق بين المتفاوضين.

والبلاد التي نجت من الربيع المحيط بها شمالاً وغرباً وخرجت من ثورات العرب فقط بمتابعتها للحدث في قنوات الأخبار، خرجت القيادات السياسية فيها لتصطرع بين وصول الربيع وغيابه؛ فالمعارضة ظلت مصرة على أنه سيصل بينما اكتفت الحكومة بالقول إن السودان يملك المناعة من الربيع العربي.. البعض حاول أن يمازج الحدث بالماضي حين انطلقت ثورة أبريل في مارس معتبراً الطقس الحالي مدخلاً لطقس سياسي ربما يأتي معتدلاً ويحقق طموحات البعض بل إن آخرين تناولوه على سبيل الدعابة بأن الربيع الذي لم يأت بالسياسة جادت به السماء بينما نحا الناشط السياسي والمحامي حاتم الياس في صفحته علي الفيسبوك منحى خاصا حين كتب: (هذا الطقس الجميل يا سادتي هو فصل الربيع. لكن ضياع ملامحه من ذاكرة الفصول، وغياب اسمه من عادة تداول الأسماء في أحوال حياتنا عدا أغنية حقيبة تتغنى بحسنه وناد قديم وعريق لكرة القدم بالعباسية أمدرمان.. كل ذلك تجعل كلمة “جو سمح” تغطي عليه.. ده الربيع ياشباب يقال عنه إنه فصل الحب والشباب لكن عندنا هنا في السودان “فصل الفول وعوضية سمك”..

وما قاله الياس لم يذهب فيه بعيداً فإن طقس الأمطار وبرودة الجو في السودان سرعان ما يرتبط بعبارة أخرى دة جو فول أو جو سمك.

بينما يمضي آخرون به نحو اتجاهات أخرى يبقى فقط ما يحركها هو الجو .

صحيفة اليوم التالي
الزين عثمان
ت.إ[/JUSTIFY]