الطاهر ساتي

‫‫البنيان العام و أنذال الهدم ..!!

‫البنيان العام و أنذال الهدم ..!!
** ونجتر ذكرى حكاية وثقت تفاصيلها بخمس زوايا فائتة، وإجترار ذكراها ليس للتذكير، بل لأنها تكاد أن تعيد ذاتها بشخوص مختلفة، كما كل مآسي بلادنا التي تعيد إنتاج ذاتها، عاماً تلو الآخر..قبل عام تقريباً، كاد قطاع الطب يحتفل بإجراء أول عملية زراعة كبد بالسودان، إذ جاء بعض أبناء السودان بالسعودية بهذا المشروع، ليس لحاجة مرضى السودان فحسب، بل لحاجة مرضى دول الجوا
ر الأفريقي أيضاً، فالغاية كانت أن يصبح السودان مركزاً إقليمياً لزراعة الأعضاء ..تعاقدوا مع وزارة الصحة المركزية بعقد تكافلي يضمن علاج (15%) من مرضى مشافي السودان مجاناً، وكذلك تعاقدوا مع مستشفى الخرطوم بعقد تكافلي يضمن علاج ( 10%) من مرضى الخرطوم مجاناً..ثم شرعوا في العمل الدؤوب بصدق وإخلاص..!!

** جهزوا مستشفى إبن سيناء بالعدة والعتاد والدواء، وإستجلبوا الكوادر العربية والسودانية من السعودية وألمانيا ومصر، وتم توظيف كادر التمريض والموظفين والعمال، وذهبوا إلى المشافي التي فيها تتوجع أكباد الناس ، ومنها مستشفى جعفر بن عوف، حيث الملاذ المؤقت لأطفال بلادنا لحين الرحيل إلى رحمة الله، ( 3/ 4، معدل وفيات أطفال بلادي شهرياً بداء الكبد)..ذهبوا الى تلك المشافي، ووقفوا على الحالات الحرجة، وإختاروا (12 مريضاً)، فيهم (6 أطفال)، وتم إجراء فحوصاتهم في معامل الرياض والقاهرة وألمانيا، بتكلفة تجاوزت (25 مليون جنيه)، وكان سعر الدولار جنيهان ونيف، ولم يدفع أياً من المرضى – 12 مريض – جنيهاً، فالمشروع كان تكافليا ومن تم إختيارهم كانوا من زمرة المتعففين الذين يسترون حالهم بالحزن الصامت..تم تجهيزهم طبياً ونفسياً، وكذلك تم تجهيز غرف العمليات والعنابر، وأعلنوا موعد العملية في الإذاعة والتلفاز والصحف، وبثوا برنامجاً فضائياً فرايحياً لهذا المشروع بفضائية النيل الأزرق.. !!

** ولكن، البنيان لايكتمل في بلاد أنذالها يتقنون فن الهدم ..قبل موعد العملية بيوم، فأجا وزير الدولة بالصحة الناس والبلد والمرضى وأسرهم والكادر الطبي بقرار تجميد المشروع وإيقاف تلك العملية وكل العمليات..لم يكتف بهذا، بل نجح في إقناع جهات عليا بالدولة – منها رئاسة الجمهورية – بعدم جدوى المشروع.. مات المشروع ومات ثلاثة أطفال من مجموعة المرضى خلال ذاك الشهر، وتجمهرت امهاتهم بشارع القصر إحتجاجاً..تألمت، وإتصلت بوزير الدولة ثم ذهبت اليه سائلاً عن السبب، وكان معه بالمكتب الدكتور معز حسن بخيت ولم يكن ناطقاً رسمياً بالصحة الولائية ولكنه كان نافذا بأمانة الصحة بالحزب الحاكم ومناصراً لهذا الوزير في هذا القرار الغريب، وكان الوزير في صراع مع الوكيل الذي أبرم عقد المشروع، سألته عن سبب تجميد المشروع، فقال بالنص : (ياخ إنت مستعجل ليه للمشروع ده ؟، نحن ح نعملوا بشكل كويس في مدينة البشير الطبية)، فخرجت معتذراً : ( أنا آسف، كنت مفتكر موت الشفع ديل ح يكون دافع قوي لاستعجالك وإستعجالي)..لم تقم المدينة البشير الطبية، إذ كانت ولاتزال محض أحلام في مخيلة بعض النافذين، ومات المشروع، وأعادوا تصدير أجهزته ومعداته، وكذلك تم إلغاء عقودات كوادره وتشريدها..ثم، فازت به – بعد شهر من تجميد وزيرنا – سلطنة عمان، بشراكة ذكية وترحاب بلغ حد تمليكه قطعة أرض – مجاناً – بمدينة صلالة، والإفتتاح خلال يناير القادم..نقترح لأبناء السودان بمجلس إدارة المشروع دعوة وزير الدولة السابق بوزارة صحتنا، ليكون ضيفاً ثقيلاً في حفل إفتتاح كان يجب أن يحتفي به ( أطفال مستشفى جعفر إبن عوف) ..!!

** تلك حكاية بلغ عمرها العام، وصارت محض قصة – و غصة – في ذاكرة الخاطر..أعادتها الى عالم السرد مايحدث لفرع مركز عربي شهير وحديث ومتخصص في الخصوبة وأطفال الأنابيب ..جاء به بعض أبناء السودان أيضاً قبل شهرين ، بكوادره المؤهلة وأجهزته الحديثه، ولايستهدفون به أهل السودان فقط، بل دول الجوار الافريقي أيضاً، بحيث يصبح مركزاً إقليمياً يجلب العائد لوطنهم ولهم، أو كما حال الأردن ومراكزها ومشافيها الخاصة والعامة..ولم يتناسوا الحال الإقتصادي لأهلهم، بحيث قرروا أن يكون مركزهم هذا الأدنى سعراً في سوق المراكز، وكذلك الأحدث عدة وعتاداً، وكذلك يرحبون بالحالات المتعففة، ( 5 حالات مجانية خلال نوفمبر الفائت)..!!

** ولكن، منذ مطلع هذا الشهر، شرعت مراكز القوى النافذة – في قطاع الصحي – في تكسير هذا المشروع أيضاً، ولقاءاً نظمته جمعية حماية المستهلك – قبل أسبوع ونيف – شهد (ضربة البداية)، ثم توالت حلقات مسلسل الحسد المهني و الأنانية المتكئة على جدار النفوذ ومراكز القوى ..لم يجدوا ثغرة قانونية ولا طبية في المشروع، ولذلك خاطبوا وزارتي الصحة والعدل بشكوى مفادها ( إعلانات المركز كتيرة في الفضائية والجرائد)، فتأملوا الحقد والنفاق .. ما الذي يمنع مشروعيا علاجياً عن الإعلان؟، إذ ثمار المورينقا تعلن عن ذاتها بمكبرات الصوت في قلب اسواق العاصمة، ولكنهم لابصرون، وكذلك كل أنواع الدجل والشعوذة تفترش الأرض بخداع علاج كل الأمراض، ولكنهم لا يبصرون .. فقط يؤرق مضاجعهم إعلان هذا المشروع عن نفسه، فشرعوا في حياكة الشكاوى والمؤامرات ضده ..وحتماً، سيجد بؤس فعلهم هذا نافذا بالدولة يرغم هذا المشروع على الرحيل أيضاً، أي كما مشروع زراعة الأعضاء..فالبنيان العام لا يبلغ تمامه في بلاد تضج مناخها ب ( الأجندة الهادمة)..!!‬

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]