جعفر عباس

لا شيء يميز 12/12/12


[JUSTIFY]
لا شيء يميز 12/12/12

(أخوكم/عمكم/ صاحبكم (كل شيء إلا جدّكم) على سفر طويل، لظرف طارئ جدا، ومن ثم سامحوه لأنه سيعيد هنا نشر مقالات قديمة بعد تنقيحها، إلى أن يفرجها صاحب الفرج قريبا بإذنه).
لن أنسى جلوسي يوم الجمعة 8 أغسطس من عام 2008، مسمرا أمام التلفزيون لأربع ساعات متصلة، ولا أمارس عادة هذا النوع من «التنبلة» إلا مرة كل 4 سنوات كما قلت في مقالات سابقة.. أحب التلفزيون جدا واعتبره أداة تثقيف وتنوير مهمة، وأحبه أيضا كأداة ترفيه ولكنني لا أعطيه الأولوية على أي نشاط يومي آخر، بل أعرف على وجه التحديد نوعية وتوقيت بث البرامج التلفزيونية التي أرغب في مشاهدتها .. أما مهند ونور وزفت الطين فلا يهمني أمرهم في شيء، بل عادة أسمع بهم وأقرأ عنهم وبعدها أطل عليهم إطلالة سريعة كي أسند رأيي فيهم على بينة.. وعلى شغفي بالألعاب الأولمبية وحرصي على متابعة معظم فعالياتها، فإنني لا أذكر أن حفلا أولمبيا افتتاحيا أسرني كما فعل حفل بكين في تمام الساعة الثالثة و8 دقائق (بتوقيت الدوحة حيث أقيم) من يوم 8/8/08 .. ويبدو أن حكاية الثمانيات الثلاثة راقت للكثيرين فقرأنا عن الآلاف الذين حددوا ذلك التاريخ لدخول الحياة الزوجية .. مبروك لهم ولكن لا أعتقد أن فرصهم في السعادة الزوجية أفضل من فرصنا نحن الذين تزوجنا مثلا في 11/3/1978 أو 28/5/2004 … وها هو التاريخ يعيد نفسه، بعد الانتشار الوبائي لخصوصية يوم 12/12/12، فستنعقد فيه مئات الآلاف من الزيجات وهناك عشرات الآلاف من النساء الحوامل اللواتي قررن الولادة بعمليات قيصرية في ذلك اليوم (يقول الشاعر أحمد فؤاد نجم: قال لك ثم الجهل مصيبة/ مولف ويا العيا تركيبة/ تشرب منها تعطش تاني/ تشرب تعطش خمسة في ستة/ ميّة نار لو طالت جتة/ لازم تلحس أتخن حتة/ يعني العقل يا خلق الله)
ذاكرة ابن آدم قصيرة، ومعظمنا نسي تكالب مئات الآلاف في مختلف أنحاء العالم للزواج في اليوم الأول من الألفية الجديدة وبالتحديد عن الساعة الـ12 من ليل 31 ديسمبر من عام 1999 ثم عام 2000،.. كان ما هو أعجب من ذلك أن آلاف النساء خططن للولادة في تلك اللحظة.. يقول الدكتور لهذه: بس البيبي كمان عليه شويه.. أسبوعين ويطلع مستوي على الآخر! فترد عليه: كيفي وعلى كيفي .. أنا أريد أولد بقيصرية في تلك الساعة وأدفع لك فلوسك على داير السنت (المليم اختفى من الخريطة النقدية في مصر والسودان بعد أن صار الجنيه نفسه أقل قيمة من ورقة الكلينكس).. وهكذا ولد آلاف الأطفال في تلك الساعة «المباركة» وقضى معظمهم أسابيع في الحاضنات لأنهم جاؤوا خُدّجاً أي ناقصي التكوين الجسماني .. وبحكم عملي في مجال الصحافة فإنه قلّ أن يفوتني حدث مهم، وظللت طوال الأعوام الفائتة أتصيد أخبار الأطفال المعجزة الذين ولدوا مع مولد الألفية الجديدة لأعرف هل تكلم أحدهم في المهد؟ هل اخترع أحدهم آيسكريم بنكهة الجرجير؟ دعك من تلك الخوارق.. هل استغنى أحدهم عن البامبرز قبل أن يكمل السنتين؟ على كل حال مبروك لكل من تزوجوا في 8/8/08 وكمتزوج محترف فإنني أقول لهم: الزواج والذرية لا تفلح لأنها مرتبطة بتاريخ معين .. أنا مثلا تزوجت في ذكرى إلقاء القنبلة الذرية الأمريكية على هيروشيما وكان ذلك يوما أسود في تاريخ البشرية.
ولم يكن لي يد في اختيار ذلك التاريخ.. وللذين يتربصون بتواريخ معينة للتعامل مع الزواج والإنجاب بطريقة «الأرقام المميزة» أقول ما يأتي والله عليه شهيد: أنا وزوجتي مولودان في نفس الشهر وتزوجنا بلا سابق تخطيط في نفس الشهر الذي ولدنا فيه.. ودخل أكبر أبنائي الحياة العملية في نفس اليوم الذي ولدت فيه!! هل يجعلني ذلك شخصا مميزا و«مبروكا»؟ إذا أجبت بـ«نعم»، دعني أسألك هل هناك ما يجعل سبتمبر أكثر بركة من أغسطس؟ عمايلك وليس تاريخ عمايلك هي التي تجعلك مميزا.

[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]