جعفر عباس

لصوص افتدوا بحياتهم المئات


[JUSTIFY]
لصوص افتدوا بحياتهم المئات

(أخوكم/عمكم/ صاحبكم (كل شيء إلا جدّكم) على سفر طويل، لظرف طارئ جدا، ومن ثم سامحوه لأنه سيعيد هنا نشر مقالات قديمة بعد تنقيحها، إلى أن يفرجها صاحب الفرج قريبا بإذنه).
توقفت طويلا عند خبر من مدينة السويس في مصر، عن سبعة لصوص دخلوا بناية من عدة طبقات غير مكتملة لسرقة حديد التسليح الموجود بداخلها، ومات اثنان منهم ونقل الخمسة الباقون الى المستشفى في حالة صحية حرجة وخطرة.. وقع الحادث في منطقة سبكتو في السويس.. أظن أن القارئ توقف مثلي طويلا عند الخبر: كيف يدخل أناس (سمِّهم لصوصا) عمارة جديدة غير مكتملة، ويكون مصيرهم الموت والأذى الجسيم؟ هل طخهم حسنين حارس العمارة بكذا عيار ناري في المليان؟ لا، فالعمارة لم تكن محروسة! هل كان صدام حسين يخبئ الأسلحة الكيميائية والجرثومية في تلك البناية؟ قطعا، لا،.. وإلا لسمعنا بموت الآلاف في السويس دفعة واحدة. هل انفجرت فيهم ألغام من بقايا الحروب الثلاثة التي شهدتها السويس؟ سؤال سخيف فلو كانت هناك ألغام في موقع العمارة لانفجرت عند حفر أساساتها.
ما حدث هو أن العمارة انهارت أثناء سرقة الرجال السبعة للسيخ منها.. يبدو – والله أعلم – أن احدهم سحب سيخة كانت مثبتة من أحد طرفيها في جدار او عمود وتسبب ذلك في الانهيار.. يحضرني دائما مقطع صغير من قصيدة للشاعر السوداني محمد الفيتوري شفاه الله من تشكيلة العلل التي جعلته طريح الفراش في المغرب، يقول فيه: لماذا مشى قاتلا ثم عاد قتيلا؟ .. هذه الكلمات البسيطة تلخص تجربة اللصوص أولئك … ولكن ما استوقفني في حكايتهم/مأساتهم أنه ما من أحد أشار إلى أنهم بموتهم وإصاباتهم البليغة افتدوا عشرات وربما مئات الناس.. بعبارة أخرى فإن العمارة كانت قيد البناء بالبسكويت.. يعني كان مصيرها أن تقع وتنهار، عاجلا وليس آجلا! وكلنا نعرف كيف ارتفعت أسعار مواد البناء، والمضطر يركب الصعب، ولكن حتى البسكويت ارتفعت أسعاره وهكذا توقف العمل فيها إلى حين البحث عن بديل أرخص من البسكويت.. ربما كان صاحبها او المقاول مشغولا خلال الفترة الماضية بجمع فتافيت الخبز الناشف من مقالب القمامة،.. ثم طحن الغلاء العظام ولم يعد هناك من يرمي فتفوتة خبز في برميل النفايات، فلم يتمكن من مواصلة البناء.
توقعت أن أقرأ في ثنايا الخبر جزئية تقول ان صاحب العمارة المنهارة قيد الاعتقال بعد ان كشف الحادث أن هناك تلاعبا في مواصفات البناء.. ولكن هيهات.. الضحايا حرامية، والحرامي في عُرفنا ليس من البشر.. أما من يدخل السجن فإنه يتلقى حكما بالإعدام المعنوي.. تقتل لصا سرق قميصا من حبل الغسيل في بيتك ولا تثريب عليك! أتذكرون مصير اللص السوداني الذي سرق دراجة من احد البيوت فطارده صاحب البيت وقتله؟ أتذكرون كيف انه أطلق على اللص قذيفة صاروخية مخصصة لتدمير الدبابات؟ قذيفة آر. بي جي RBG وقد تابعت مجريات القضية ولم أسمع أنه تم تقديم صاحب البيت للمحاكمة بتهمة القتل العمد أو الخطأ، أو مساءلته عن الكيفية التي حصل بها على القذيفة الصاروخية المخصصة فقط للجيوش ليحتفظ بها في بيته!

[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]