هيثم .. هيثم .. جننتونا ياخي

هيثم .. هيثم .. جننتونا ياخي
إهـتم الوسط الرياضي إهتماما كثيفا بقضية اللاعب هيثم مصطفى ، إهتم بها من زاوية البرير في صفحتها الأولى ومن زاوية الوالي في صفحتها الثانية ، رغم أن المسألة ببساطة هي مسألة إداري جاء بديمقراطيتنا العرجاء فأصبح رئيسا ، وبهذه الصفة أصبح له حق التصرف بصورة كاملة وفق صلاحياته ، وأصبح قادرا كذلك لأن يجعل بمشروب (شامبيون) في دواخلنا بطلا .

وبذات القدر إنبرى أهل المريخ بمنطقهم الذي يسجلون به فاقدي الصلاحية الى تسجيل هيثم (صاحب العطاء المحدود) بعد أن بدأ العد التنازلي من قمة العمر الأدائي ، وهذا يشبه الى حد كبير تسجيل الحضري من قبل ، وبهذه الصفة يدخل النادي في دائرة التسجيل العشوائي ، ذلك أن المال مال الرئيس وله الحق في التصرف فيه كيفما يشاء ، دون أن يسأله أحد ،رغم أن الرجل يتمتع بكم هائل من التقدير والإحترام لبعده من مكامن الجدال والإسفاف والنكاف .

والحقيقة أن الرئيس هنا وهناك لا يختلفون عن النظراء الآخرين المتعاركين في لجة الممارسة ، الذين يمكن أن يصل الأمر عندهم الى حد وضع العراقيل والمتاريس أمام الآخرين لمجرد إحساسهم أن الإداري المنافس قد يصيب شيئا من النجاح ، وهم يتصرفون جميعا بعقلية واحدة في جهة التبذير، وبذات الكيفية التي يراد لها أن يكون التسجيل في النادي للمباهاة الإدارية وليس بالمعايير الفنية الدقيقة ، وحتى الجهاز الفني نفسة يرتزق ويصرف راتبه من جيب الرئيس لذا ، فإن المحافظة على جيب السيد الرئيس تكون مقدمة على شخصية الرئيس نفسه .

وهنا لا يستطيع أحد أن يخطيء هيثم من حيث أنه محترف يسترزق بالكرة ، وستة أشهر توقف قد تعني له الكثير من الناحية المادية ، طالما أن هناك من الولاة والموالين الذين يمكن أن يدفعوا دون رشد ، وحتى لو أعمل القدر المعقول من الولاء والمثالية واصطبر على الشطب فهو مدرك أن التاريخ لا ينتظر أحد وسيمحو إسمه وينحيه الى مدارج الصور الخلفية إن شاء أو أبى ، وسيصبح نسيا منسيا .

ومن جانب آخر قد تبدو المسألة أن الهيثم قد مسح تاريخه الطويل مع الهلال في لحظة توقيعه في المريخ ، وهذه بالطبع مسألة عاطفية في المقام الأول ، ذلك أن الصورة الذهنية التي رسمها الرجل بتاريخه عبر اللون الأزرق، ستكون عصية على النسيان ، لكن هذه هي سنة الحياة فمن لم يمت بالسيف ما بغيره .

ذلك أن النمطية والصورة الذهنية التي تشكلت في قناعة الناس لن تطعم هيثم خبزا ، طالما أن الرجل في (سوق عكاظ الرياضة) وهو يدرك أنه لم يتبقى له إلا بعض سنوات وبعدها يكون مصيره الأفول، وهذا شأن طبيعي في الحياة ، وأسألوا الذين يتسكعون في الطرقات بعد أن كانوا متوهجين عالم السطوع والإبهار حتى خبأ نجمهم وإنزوا خلف الستر يسألون الناس ، والناس يهربون من سؤالهم بحياء.

لكن الحقيقة الجلية أن عطاء الهيثم في أصله في دنوء ، وجهده لن يجعله إلا مجرد رقم قد لا يفيد المريخ إلا من بعض هتاف بسبب الشماتة التي هي جزء من الممارسة عندنا ، ذلك أن قياس اللاعب الأدائي لا يتم من خلال جهده ، بل من خلال بعض حركات سلبية قد تعجب الجمهور (كإدخال الكرة بين أرجل الخصم) أو (حجز الكرة عن الخصم وتعطيل اللعب) ، لكنها في خاتمة المطاف هي صورة العقل الجمعي الذي يجعل الخطأ عندنا صوابا و(النيل بحرا والنصيحة بمعنى الحقيقة) .

في ذات الوقت الذي تزرف فيه الدموع ويتباكى الحمقى لمجرد إنتقال لاعب من نادي التقليدي الى النادي المنافس ، فإنهم لم يعيروا خروج منتخبنا المذل من تصفيات كأس العالم بسبب خطأ أحمق من إتحادنا ، ومن الإداري الذي تملأ صورته صفحات الصحف دون حياء ، وكأنه نسي عورته الوطنية التي كان من المفترض أن تتطيح به وبكل الرؤوس الجلحاء والصلعاء، لكنها هي شكل ممارستنا المهزومة والمأزومة، في وقت لم يعير الناس فيه إنتباهتهم الى تعلية خزان الرصيرص.

لكننا من جانب آخر يجب أن نكون منصفين في أن الهيثم قد أصبح بهذه الصورة الذهنية فرعونا خرج من عباءة نادية وحاد عن الإنضباط الذي كان ينبغي له أن ينصاع له ، إذ لا كبير على الضوابط مهما علا شأنه ، رغم إدراكنا بأن البرير ليس نصيرا للقانون ، فمن يقول أننا قضضنا الطرف على تصرفات هيثم كثيرا ، يكون قد أسهم في جبروت الرجل لأنه تراخي عن إعمال القانون، لأن من يطعم السباع لا يأمن مكرها ، والمؤسسية لا تقبل القسمة على إثنين .

إن أكبر آفات الرياضة عندنا هي آفة التعصب الذي عصب العيون حتى أصبحت لا ترى الأشياء إلا من خلال النظارت الملونة ، لتتحول قضية هيثم من مجرد قضية رياضية ، الى شأن مبكي ، وقديما قيل أن دموع الرجال عزيزة ، لكننا وللأسف الشديد لم تعد عزيزة ، لأننا لم تزرفها إبان قصف غزة ، أو إنفصال الجنوب من وجدان الوطن ، وهاهي الجموع التي لا تختشي تزرف الدموع لمجرد رحيل الهيثم من شجرة الى أختها ، لكن الحقيقة أن ما يُبكي هو أننا نكره الآخر .

لكن الأمر مختلف من الناحية القانونية ، أن هيثم سيكون بعد إعتزاله الكرة وبكاءه الكثير في الهلال في فترات مضت ، سيكون من قدامى لاعبي المريخ ، وحتى لو قدر له المشاركة في أي إنتخابات بهذه الصفة فإنه لن يستطيع دخول نادي الهلال كلاعب سابق ، رغم إدراكي بأن القانون لا مكان له في عالمنا ، وأن هيثم سيدخل النادي ( كيتا للبرير) وسيحتفى به ، وسيتخذه الآخرون طعما للبرير.

لكن أسألوا الدحيش ومصطفى النقر وعبده الشيخ الذين تحولوا في زمانات مضت بين الناديين ، لتعرفوا شكل الممارسة في بلادنا، ذلك أنا موغلون في النمطية والترسيخ، لا نعترف بالألوان والإنتقال والتحول، فمن يقود سيارة بموديل معين يظل بها حتى يموت ، ومن يضع نظارة يظل بها حتى ولو أجرى عملية إصحاح للنظر، وأسألوا شيبة الحمد عن سبب فشله في قناة الشروق بعد أن إنتقل إليها من النيل الأزرق ، حتى لو قدم برنامجه (أغنيات من البرامج) .

والمشكلة الكبيرة أن من يكتب للهلال والمريخ يظل يطبل لهما حتى يلقى الله ، عدا القلة ، ذلك أن الصور الذهنية لا تجلس على شاشة ذاكرتنا بل تنحفر في جدران العقل وتأبى أن تنمحي .. وكان الله في عوننا .
………
ملء السنابل تنحنى بتواضع .. والفارغات رؤوسهن شوامخ

صلاح محمد عبد الدائم (شكوكو)
[email]shococo@hotmail.com[/email]

Exit mobile version