جعفر عباس

حتام نعبد الأصنام؟


[JUSTIFY]
حتام نعبد الأصنام؟

أثبتت تجربة نصف القرن المنصرم، ان المسار والاتجاه الواحد يؤديان الى طريق مسدود، او الى صدام عنيف عندما يقرر البعض السير العكسي في ذلك المسار او الاتجاه،.. وحتى في مجال كرة القدم كان لابد من مريخ وهلال كي تجد اللعبة قبولا جماهيريا، ولكن ازداد قبول اللعبة بظهور الأهلي وكوبر والتحرير وغيرها،.. ومحمد وردي مطرب وموسيقي ضخم الموهبة والصوت، بإجماع أهل السودان، ولكن ذلك لم يمنعهم من الاستمتاع بإبراهيم عوض وفرفور واحمد المصطفى….. وفي الأدب ما كان لنا ان ننتج صوتا جديدا لو قلنا ان الشعر بدأ وانتهى بالتجاني يوسف البشير او محمد المهدي مجذوب او محمد المكي إبراهيم،.. فرغم ندرة القنوات المفتوحة أمام الأصوات الشعرية الجديدة إلا أن عشرات البلابل الشعرية نجحت في ان تلفت الانتباه بتغريدها الشجي على مدي ربع القرن المنصرم، وفي مجال الشعر الغنائي كان التقييم السائد يستند الى نفس معايير نقاد الشعر الجاهلي، من شاكلة قدامة بن جعفر الذي لم يكن يعتبر القصيدة من جنس الشعر ما لم تبدأ بالنسيب والوقوف على الأطلال ووصف الناقة ثم تشبيه الحبيبة بالناقة (وفي هذا دليل قاطع على ان العرب الأقدمين كانوا ذوي ذوق تالف وفاسد فإنسان يهيم بحب امرأة تشبه الناقة لا يمكن ان يكون كامل العقل، دعك من ان يكون شاعرا)،.. تم تقسيم شعرنا الغنائي الى حقب بدأت بالحقيبة فكانت حتى السبعينات معظم أشعارنا الغنائية تتغزل بالمحبوبة ب”الكيلو”، وتحدد مواصفات كفلها وصدرها وكيف انها ومن فرط الحمولة الزائدة تتمايل “من تُقل المرجرج الخايض الوحل”، ثم قالوا ان نقلة حدثت على يد عبد الرحمن الريح،..ثم إسماعيل حسن.. وصولا الى فضل الله والحلنقي وهاشم صديق والقدال محجوب شريف وغيرهم،.. ثم انتبه الناس الى انهم ليسوا بحاجة الى ترزية النقد ليحكموا بجمال هذه القصيدة الغنائية او تلك، وصارت لدينا عشرات الأصوات الشعرية الجميلة.. وفي مجال الرواية قفل الترزية باب الاجتهاد بعد صدور الأعمال الروائية للطيب صالح ولكن روائيين سودانيين عديدين نالوا التقدير في مختلف البلاد والمنابر!
في كل مجال أخذنا نحن السودانيين أسوأ ما في الثقافة العربية: القمع ونكران حق الآخر في إسماع صوته، وعبادة الأوثان السياسية والثقافية.. فالزعيم العربي يقال له: أنت الأوحد وأنت الملهم والمنقذ و “انت القائد وانت الرئيس، واصل كفاحك خليك حريص”.. أما في المجالات الإبداعية فتجد البِدع: طه حسين عميد الأدب، ولم نسمع بعدها بظهور رقيب او شاويش الأدب،.. ام كلثوم كوكب الشرق.. والشرق يعني في ما يعني الصين واليابان.. واحمد شوقي أمير الشعراء ولكن من هو ملكهم او ولي العهد؟ وحافظ إبراهيم شاعر النيل فهل يجوز ان نسمي ود المجذوب شاعر العطبراوي او نسمى التجاني يوسف البشير شاعر خور ابو عنجة؟ وهل هناك شاعر للأمازون وآخر لمسيسيبي؟ وفي السودان جارينا التقليد العربي في إطلاق الألقاب السخيفة على المبدعين فصار ابراهيم عوض المطرب الذري (ولم يخطر ببال من اطلق عليه تلك التسمية أنه سيجر عليه الويلات لأنه يعتبر بمقاييس العولمة من اسلحة الدمار الشامل)، وكان الراحل حسن عطية يحمل لقب أمير العود.. ولم يفز برعي محمد دفع الله حتى بلقب وزير العود.. وضاعت ايضا براعات بشير عباس ومحمد الأمين في العزف على العود، لأن اللقب الخاص بتلك الآلة كان قد “طار”.. ويظهر مطرب ناشئ في عمل مسرحي فيلقبه أحدهم بالفنان الشامل!! وفي مصر يسمون جواهر المطربة السمراء، وهو لقب أجوف وفج تماما مثل لقب العندليب الأسمر الذي كان يطلق على عبد الحليم حافظ، وكأنما هناك عندليب بني وآخر تركواز وثالث بمبي بكاروهات،.. وكل مطربة سودانية تستحق عن جدارة لقب المطربة السمراء، لأنه، وكما قلت لقب أجوف، لا يعكس تقييما لفن حامل اللقب بل يصفه بلون بشرته، ولكن لأن جواهر ببغاء عقهلها في أذنيها فإنها تحسب ان ذلك اللقب يضفي عليها قيمة خاصة!
وفي السياسة عندنا في السودان يجب أن تكون القيادة ل”سيدي”، ثم جاء جيل جديد من الساسة ورأوا أن حكاية سيدي “مسخت” فصاروا شيوخا.. حتى قبل شهر كان اسم وزير المالية السوداني السابق الزبير محمد الحسن مسبوقا بلقب “سيد” وقبل نحو خمسة أسابيع صار الأمين العام للحركة الإسلامية وصار “شيخا”.. وعقمت حواء السودانية فلم يكن مناص من أن يصبح السيد عمر البشير رئيسا للجمهورية ورئيسا للوزراء ورئيسا للمؤتمر الوطني ورئيسا للحركة الإسلامية.. والترابي تنازل عن لقب دكتور وصار شيخا، وصلاح إدريس فاز بلقب “الأرباب” ولا ندري ماذا ربرب حتى يستحق اللقب فقد طرشقت معظم أعماله التجارية وقاد نادي الهلال العظيم الى حافة الهاوية وكتب شعرا غنائيا وقام بتلحينه فلا طال بلح اليمن ولا عنب الشام… ولكنه وغيره وفي ظل عبادة الفرد من دون الله ينالون الألقاب الفخيمة، ويتبخترون معتبرين كل مريد وتابع بهيمة، وكل شيء ذو قيمة يعتبرونه لهم غنيمة

[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]