جعفر عباس

فرح أونطة هاتوا فلوسكم

[JUSTIFY]
فرح أونطة هاتوا فلوسكم

قبل سنوات بعيدة سألني أحد أبناء بلدتي في ذات أمسية ما إذا كنت قد تلقيت دعوة لحضور «فرح» فلان الفلاني، وكانت تربطني بفلان هذا صلة قربى ومودة، فصعقت: كيف يتزوج صاحبي هذا للمرة الثانية علنا وبموجب بطاقة دعوة وهو يخاف من زوجته التي لا تسمح له حتى بمشاهدة قنوات تلفزيونية مثل روتانا وميلودي أو الذهاب الى دور السينما حتى لا تزوغ عينه، وفوق هذا فقد كنت أعرف أنه يعيش من اليد الى الفم، أي ان كل ما يكسبه كان بالكاد يكفيه لتوفير الأكل والشرب. ولكن بلدياتي ذاك صحح معلوماتي: الدعوة مش فرح «فرح»، بل مكتوب في كرت الدعوة «بمناسبة ختان أنجاله».. بعضنا في السودان يعمل زيطة وزمبليطة عند استقبال مولود جديد أو حتى عند ختان الأولاد، ولكن ذلك زاد من دهشتي، فصاحبي لم يكن لديه أنجال، بل نجلان: بنت متزوجة وولد يبلغ من العمر نحو 18 سنة! هل من المعقول ان الولد بقي بلا ختان حتى بلغ سن الزواج؟ وهب أن ذلك كان صحيحا، هل يعقل ان يحرجه والده بإعلان أنه يجلس لامتحان الشهادة الثانوية وهو غير مختون؟ كانت إجابتي عن تلك الأسئلة «إن في الأمر خطأً والتباسا»، وخاصة أنه لم تصل إلي بطاقة دعوة من صاحبي ذاك، ثم التقيت عرضا بشخص آخر يجاور بيته بيت صاحبي الذي وزع رقاع دعوة لختان «أنجال» أحدهم بنت متزوجة والآخر في طريقه الى الجامعة، فشرح لي الحكاية: صاحبك هذا ظل يسهم في أفراح الآخرين سنوات طويلة، وأحس بأنه لن يسترد مساهماته تلك إلا بافتعال مناسبة تجعل الآخرين يأتون الى «فرحه» لدفع «رد المساهمات المعتادة!» وكما أشرت أكثر من مرة فإننا في السودان نلتزم بدفع مبالغ في الأفراح والمآتم إسهاما في مساعدة صاحب «المناسبة»، وتقيد تلك المبالغ في دفاتر، حتى يعرف صاحب المناسبة مَن دفع وكم، ويرد له الجميل بالزيادة كلما طرأت مناسبة،.. يعني صاحبنا ذاك قال لنفسه: البنت وتزوجت، والولد أمامه نحو عشر سنوات حتى يتزوج، وقد ظللت أسهم في أفراح وأتراح الآخرين طوال نحو 15 سنة ولا بد من إقامة حفل ختان وهمي أو افتراضي حتى يأتي الناس و«يسددوا ما عليهم».
ومازلت احتفظ بعدد من جريدة المصري فيه خبر زواج عبدالفتاح وشيماء مصحوبا بصورة لهما والأيدي فوق الكتف وحول الخصر.. كان عبدالفتاح آخر قيافة وشيماء تجنن، وتمنيت لو تسنى لي أن أضمها الى صدري، وأطبع قبلة على خدها! قلة أدب؟ لا، فعمرها سبع سنوات، وعمر العريس 11 سنة.. ولا بد ان شيماء نامت قبل ان يتمكن المدعوون من تهنئتها لأنها كانت قد عادت من المدرسة في يوم الحفل، وقضت عدة ساعات تنسخ درسا في كتاب المطالعة وعليها ان تصحو مبكرا في اليوم التالي لتلحق بالطابور الصباحي في «المدلسة».. الجريدة قالت ان المدعوين قالوا ان الغرض من الزواج هو جمع «النقوط» التي هي أوراق مالية تنثر عادة على رؤوس المطربين والراقصات في الأفراح الشعبية.. ولصاحب الفرح نسبة مئوية منها.. عقبال الابتدائية يا شيماء.. إذا كانت حكاية النقوط هذه صحيحة فما مصير هذه الزيجة؟
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]