الطاهر ساتي

‫مسألة وقت..!!

‫مسألة وقت..!!
** حكاية، ولكنها ليست بعيدة عن واقع الحال.. شاباً يقصد حكيم المدينة ليعرف : سر النجاح .. ويقف أمام الحكيم سائلاً ( سيدي، أذكر لي سر النجاح)، فيرد الحكيم : ( سر النجاح هو الدوافع)..فيسأله الشاب حائراً ( وأين أجد هذه الدوافع؟)، فيرد الحكيم : ( في رغبات نفسك ).. يزاد الشاب حيرة، ويسأل يائساً : ( وأين أجد رغبات نفسي ؟).. وهنا يستأذن الحكيم ويدخل غرفته ثم يعود بوعاء ماء، ثم يسأل الشاب : ( ألا تعرف مصدر الرغبات في نفسك؟)، فيرد الشاب بالنفي.. يطلب منه الحكيم بأن يقترب من الوعاء وينظر في عمق الماء، فيقترب الشاب ويقرّب وجهه الى سطح الماء ويحدق في القاع.. وفجأة، يضغط الحكيم على رأس الشاب بقوة لم تبق غير رقبته وجسده خارج الماء..وظل ممسكاً بالرأس الغاطس حينا من الزمن بلا حرك أو كلام..!!

** مضت الثانية الأولى، ولم يتحرك خلالها الشاب بحيث يخرج رأسه من الماء .. وكذلك الثانية الثانية، ثم الثالثة والرابعة .. عند الثانية الخامسة، بدأ الشاب يحرك رأسه قليلا من أثر الإختناق، ولكن ضغط الحكيم كان قوياً..وعند الثانية الثامنة، شرع الشاب في تحريك رأسه بقوة، وظل يقاوم ضغط الحكيم بكل قوته.. قاوم ثم قاوم وقاوم، حتى نجح في إخراج رأسه من الماء.. تنفس الصعداء، ثم سأل الحكيم غاضباً : ( ما الذي فعلته؟، أتريد قتلي؟)..فيرد الحكيم مبتسماً ( لا، ألم تتعلم من هذه التجربة؟).. فيرد الشاب بذات الغضب : ( لا، لقد تألمت ولم إتعلم )..فيطالبه الحكيم بالهدوء، ثم يأمره بالجلوس، ويشرح : ( لا، لقد لقد تعلمت الكثير ..لم تكن لديك الدوافع الكافية لإخراج رأسك من الماء حتى الثانية الخامسة، ولذلك لم تحرك رأسك، بل إستسلمت لضغط يدي..أليس كذلك؟)، فيرد الشاب : نعم، لقد صبرت بمظان إنك قد ترفع ضغطك عن رأسي، ولكنك لم تفعل ..!!

** ويواصل الحكيم : ( وبعد الثانية الخامسة، إكتسبت بعض الدوافع، ولذلك حركت رأسك قليلاً، ولكن دوافعك لم تكن كافية لإخراج رأسك، ولذلك عجزت إرادتك عن التغلب على ضغط يدي.. أليس كذلك؟)، فيرد الشاب : نعم، حركت رأسي قليلاً بمظان أنك قد تشعر بألمي وترفع ضغطك عن رأسي، ولكنك لم تشعر بألمي..ويواصل الحكيم : ( ولكن عند الثانية الثامنة، إكتسبت الدوافع الكافية وأصبحت لديك الرغبة المشتعلة لإنقاذ نفسك من الموت، وعندئذ نجحت وأخرجت رأسك ..أليس كذلك؟)، فيرد الشاب وكان قد هدأ تماماً : نعم، لم يكن لي خياراً غير المقاومة بكل قوتي، لكي لا أموت..وهنا يختم الحكيم قائلاً : ( نعم، عندما إكتملت دوافعك وإشتعلت الرغبة في نفسك، نجحت في إخراج رأسك من الماء)..هذا هو سر النجاح، أي إكتمال الدوافع ..!!

** وهكذا الناس في الحياة، أفرادا وشعوباً.. يصبرون حيناً من الزمن، بحيث يبقون في وضع السكون واللامبالاة، بمظان أن ترفع الجهات الضاغطة يدها – عن رؤوسهم الغارقة – طوعاً وإختياراً..ثم يحركون رؤوسهم الغارقة حراكاً بطيئاً، بمظان إشعار الجهات الضاغطة بألامهم وأوجاعهم وإختناقاتهم، عسى ولعل تشعر وترفع.. وأخيراً، تكتمل دوافعهم وتشتعل الرغبة في أنفسهم لإنقاذ حياتهم وأوطناهم، فتنطلق مقاومتهم لأيدي الجهات الضاغطة بكل قوتهم وعزيمتهم وإرادتهم، و( ينجحون) ..أي يقاومون الأيدي الضاغطة حتى تخرج رؤوسهم من أوعية الضيق والغرق ( والقرف) ، الى حيث ( الهواء الطلق) ..!!

** لو عاصر ذاك الشاب عهد ثورات الربيع العربي، لما قصد ذاك الحكيم ولما تعرض لتلك التجربة المؤلمة..إذ كل ثورة من ثورات الربيع العربي بمثابة ( تجربة مؤلمة ).. نعم، كانت – ولاتزال – مراحل ثورات الشعوب تمر ب : ثواني الصبر بحسن الظن في الطغاة، ثم ثواني الحراك البطئ بقصد إشعار الطغاة بأوجاعهم، وأخيراً ثواني إكتمال الدوافع المسمى – مجازاً – بسر النجاح.. و يكون ذاك الإكتمال بمثابة ساعة الصفر لرحيل الطغاة.. بإختصار، حسب تجربة الشاب وتجارب الشعوب، ساعة الصفر التي تكتمل فيها الدوافع لإنتصار على أيدي الطغاة الضاغطة ( مسألة وقت).. ولكن أكثر الطغاة لايفهمون، ولايتعظون من تجارب الذين (فهموا ورحلوا) ..!!‬

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]