تحقيقات وتقارير

المهدي من الجهاد المدني إلى التراضي الوطني

[ALIGN=JUSTIFY]قال الكاتب الاستاذ الراحل احسان عبد القدوس «الشجاعة ان تمارس حريتك في حدود عدم الاعتداء على حرية الآخرين» واليوم اعود بالقلم لانفض عنه الغبار وإلى الفكر لاجلوا عنه الصدأ، فالرقابة عامة في العالم العربي على الصحف لا تحطم الاقلام فحسب بل تقضي ايضا على ملكة التفكير عند الكاتب فلماذا يجهد الكاتب حسه ويكدح المفكر ذهنه اذا كان ما تجود به قريحته لا ينقل الى القراء ابدا ولا يصل اليهم الا مبتورا مشوها بفعل الرقيب، وهذا هو حال الصحف في العالم العربي. ففي الماضي كم من احداث جسام صنعتها بضعة سطور ومن هذه الاحداث في سبيل المثال ثلاثة سطور كتبها الصحافي الراحل مصطفى امين عام 1953م حينما التقى الراحل فؤاد سراج الدين رئيس حزب الوفد في القاهرة حينما التقى عام 1953م باعضاء مجلس ثورة 23 يوليو 1952 بمصر وبعد مقابلته واجتماعه بهم التقى به الصحافي مصطفى امين وسأله عن ما جرى في هذا الاجتماع فرد عليه سراج الدين «انه وضعهم في جيبه الصغير» فكتب ذلك مصطفى امين في مجلة «آخر ساعة» وكانت هذه السطور بمثابة بداية فاتحة اطلاق النار على حزب الوفد وتم اعتقال سراج الدين والصحافي مصطفى امين ولكن تم اطلاق سراحهما في اليوم التالي من اعتقالهما، فعندما تصاب الامة بشلل فكري تكف شخصيتها عن النمو والنضج السياسي وتظل بلا حراك من اجل ذلك ارى ان انبل جهاد فكري للكاتب هو سبيل المحافظة على اداة الفكر والرأي لان هذه الاداة هي في الكيان المعنوي بمثابة القلب مضخة يجب ان تعمل حرة على الدوام لتكفل النمو والنضج والرقي فالساحة السياسية في بلادنا تصطرع على ساحتها العناصر السياسية المختلفة من الفرقاء السياسيين وتتعارك القوى السياسية فيما بينها ،فقد وجدت اتفاقية التراضي الوطني التي وقعها حزب الامة مع الحكومة انتقادات واسعة النطاق من قبل الكثير من القوى السياسية فمنهم من وصفها بانها اتفاقية مصالح بين الجانبين لا اكثر ولا اقل ومنهم من قال انها صفقة سياسية وبعضهم مدحها واثنى عليها فما بين مؤيد ومعارض لها تظل شمس الحقيقة توضع تحت مصباح الذهن البشري وكل يقول رأيه حول هذه الاتفاقية ان بلادنا تعتبر من اصلح البلاد تربة لوجود رأي عام ناضج قوي ولكن الذي يعوزنا هو الاهتمام بتربية هذا المولود التربية الوطنية المشبعة بالمبادئ السامية التي تؤهله لان يصبح كائنا مستقلا واقفا على قدميه يفكر بعقل واحد ويؤثر في الدولة والمجتمع تأثيرا ظاهرا فعالا فهل اتفاقية التراضي الوطني هي هذا المولود؟ لا اظن ذلك لان الاتفاقيات الثنائية علمتنا التجارب السياسية انها لا تخدم قضايا الوطن عامة وهي مثل اتفاقية نداءالوطن فالاتفاقية ليست اتفاقية جامعة لم تشارك فيها كل القوى السياسية فلذلك دائما مثل هذه الاتفاقيات الثنائية قد تأتي مخلوقا مشوها مضطربا مبلبل الفكر ومشتت الرأي لان كل شيء في بلادنا له نسخ متعددة واثواب مختلفة، فالاتفاقية يعوزها نور المنطق العقلي فهي مولود جديد لكن بلا نور المنطق العقلي اي بلا روح اجماع وطني، ان بنود الاتفاقية بنود وطنية ولكن المشكلة تكمن في كيفية تطبيق هذه البنود على ارض الواقع حتى تصبح حقيقة ملموسة فالسيد الصادق المهدي سياسي ليبرالي عاشق للديمقراطية والحرية وحقوق الانسان فاذا القينا بنظرة فاحصة على سجله السياسي طيلة سنوات نظام الانقاذ نقرأ على صفحات سجله انه في ديسمبر 1992م اعلن الجهاد المدني ضد نظام الانقاذ ويومها غضب اهل الانقاذ وفسروا هذا الجهاد بانه خروج على القانون وتمضي الاعوام لتطل علينا اتفاقية نداء الوطن التي ابرمها المهدي مع نظام الانقاذ الى ان جاءت مؤخرا اتفاقية التراضي الوطني. اذن المهدي خطا بخطواته السياسية من نقطة الجهاد المدني الى التراضي الوطني! انها السياسة التي تعوذ منها الشيخ محمد عبده والتي كانت سببا وراء نفيه من مصر عندما اعلن تأييده المطلق للثورة العرابية في مصر بقيادة الزعيم احمد عرابي فقام الانجليز بنفيه الى خارج مصر. ان السيد الصادق المهدي كما ذكرت يعشق الديمقراطية وهو الذي تقلب في معتقلات الانظمة الشمولية عدة مرات فالديمقراطية جعلت امير المؤمنين عمر بن الخطاب ان يقوم بعزل القائد الاسلامي خالد بن الوليد «سيف الله المسلول» عن القيادة والديمقراطية اطاحت بحكومة «ماكدونالد» في بريطانيا بسبب احد الصحافيين حينما قدم للمحاكمة ولم تكن المحاكمة عادلة فمن داخل مجلس العموم البريطاني سحب النواب الثقة من حكومة «ماكدونالد» رئيس الوزراء البريطاني وسقطت حكومته وذهبت الى مزبلة التاريخ ،فالديمقراطية عندما تصبح سيدة الموقف في اي دولة تعيش الشعوب العدالة الحقيقية واحترام حقوق الانسان بل تكون هناك عدالة اجتماعية في اسمى معانيها فان كانت اتفاقية التراضي الوطني تقود الامة السودانية الى تحقيق مثل هذه الاشياء فمرحبا بها ،اما ان كانت اتفاقية «صولة الأسد» فهذا شيء آخر يجب الوقوف عنده كثيرا واخشى على الاحزاب السياسية اخشى عليها من «الجيوب» الكبيرة والصغيرة واللبيب بالاشارة يفهم.
ان السيد الصادق المهدي سبق له ان جاء زيارة لمدينة شندي عام 2005م وخاطب جماهيرها بقوله «انه جاء اليهم هذه المرة «سندة» ولكن المرة القادمة سأحضر اليكم «محطة» ثم استطرد قائلا ان قادة الاحزاب يحتاجون الى رداء كرداء الرسول صلى الله عليه وسلم لكي يرتدوه ليحققوا به التحول الديمقراطي» هذا ما قاله سيادته لجماهير شندي واظن ان سيادته لم يعثر على هذا الرداء فرأى ان بوابة التراضي الوطني قد تكون مدخلا للتحول الديمقراطي الحقيقي في البلاد ،ولكن طالما هناك قوانين مقيدة للحريات قائمة لا اظن ابدا ان يجد التحول الديمقراطي طريقا له لدخول البلاد. وما اخشاه حقا ان تصبح اتفاقية التراضي الوطني كالمشروع الحضاري بمثابة قصيدة مكسورة الوزن ومرضوضة القواعد ومخلعة الأبيات والقوافي. عبد المنعم عبد القادر عبد الماجد:الصحافه [/ALIGN]