جعفر عباس

هاتوا من الآخر


[JUSTIFY]
هاتوا من الآخر
لم يقصر المسؤولون في بلدان عربية كثيرة في طمأنتنا نحن المواطنين بأن الأزمة المالية العالمية الحالية لا تهمنا، ولن نتأثر بها، وأنا أصدق المسؤولين لأن كلامهم هذا يؤكد أن وجودنا على خارطة العالم افتراضي.. يعني «حتى ولا هامشي».. صحيح ستجد اسم بلدك على الأطلس، ولكنك ستجد أيضا عبارة الثقافة العربية في العديد من الكتب، بينما لا تجد أثرا لهذه الثقافة في حياتك.. وستقرأ في الصحف ان مستوى دخل الفرد في بلدك ارتفع – مثلا – بنسبة 12% خلال السنوات الثلاث الأخيرة وتنظر الى حالك وتدرك أنك صرت أكثر فقرا بنسبة 65% خلال تلك السنوات.
كيف لن نتأثر بالأزمة الاقتصادية والمالية العالمية ونحن دول تعيش فقط على إنتاج وتصدير المواد الخام والذين يشترون تلك المواد يعانون من الفلس وبالتالي لن يشتروا بضاعتنا إلا بأسعار متدنية؟.. يا جماعة نحن قوم جلودنا سميكة، فقولوا لنا بصريح العبارة إن «ما خفي أعظم»،.. أتمنى ان يسأل صحفي وزيرا للمال او الاقتصاد عن حال البلاد والعباد في ظل الركود الاقتصادي العالمي الحتمي فيرد الوزير (بالمصري): وانت شفت حاجة يا جميل!! قولوها لنا على بلاطة بأن معدلات البطالة سترتفع وأن بعض بنوكنا ستصاب بجلطات تسبب لها الشلل ونحن نعلم سلفا ان معظمها في حالة موت سريري بعد أن نهبها القراصنة باسم الاقتراض وامتنعوا عن سداد القروض.
في بريطانيا ارتفعت مبيعات الخزائن الحديدية بنسبة 700% خلال الأعوام الأربعة الماضية، بعد ان فقد الناس ثقتهم بالنظام المصرفي، وصاروا مثل والدي رحمه الله الذي كان يعود الى البيت ويفتح الخزنة ويضع فيها كل ما معه من نقود (ولم تكن تزيد على عشرة قروش في اليوم الواحد).. كان هناك بنك يجاور المطعم الذي كان والدي يملكه، ولكنه كان يصف كل من يضع نقوده في البنك بالغباء (بعد وفاته لم نعثر على مفتاح الخزنة وأتينا بحداد استخدم كميات هائلة من اللهيب حتى فتحها وعثرنا بداخلها على مبالغ معدنية في حدود نصف جنيه، ورقّ قلب الحداد واكتفى بنصف الجنيه نظير أتعابه، رغم انه كان قد اشترط مسبقا كسر الخزنة نظير جنيهين).. لست من أنصار سياسة الترويع التي يعتبر الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش أكبر مروّجيها: نجعل الشعب الامريكي يعيش في خوف مقيم من الإرهاب فلا يلتفت الى خيباتنا في العراق وأفغانستان والجبهة الداخلية.. يعني لن يصل بي الأمر الى وقف التعامل مع البنوك ولكنني أورد حكاية البريطانيين مع الخزائن الحديدية كشاهد على ان حكومتهم واضحة وصريحة معهم وأبلغتهم بأن القادم أسوأ.
يعني لا داعي لاستعباطنا والزعم بأننا لن نتأثر بالكارثة الاقتصادية العالمية التي لم تكتمل حلقاتها بعد، فمعظمنا يعيش سلفا في وضع كارثي.. نعم نحن لا في العير او النفير في السياسة الدولية، ولا شأن لنا بالاكتشافات والاختراعات ولا التقدم العلمي والإداري، ولكننا على الأقل بشر نأكل ونشرب ونلبس ونحتاج الى سقوف فوق رؤوسنا.. انصحونا بترشيد الإنفاق والتوقف عن الصرف البذخي، ولتكن حكوماتنا قدوة لنا وتتوقف عن طرح وتنفيذ المشاريع التفاخرية التي لا نعرف لها نفعا ولا جدوى.. وأستحلف بالله الحكومات التي تعيش على الصدقات: بلاش استضافة مؤتمرات، ورغم أننا قد قد نبدو بلهاء، فإننا في واقع الأمر لا نخلو من «فهم» ونعرف أنه – يا ما – شفنا مقصات تفتح مشاريع مزركشة، ثم لم نسمع عنها بعدها إلا ما «يقُص» شرايين القلب ويفقع المرارة!!

[/SIZE][/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]