جعفر عباس

مالي ومال المال


[JUSTIFY]
مالي ومال المال
مثل كل السودانيين المغتربين في مشارق الأرض ومغاربها – خاصة في منطقة الخليج – فإنني ملزم بتقديم العون المادي لابن عم زوج بنت خالتي من الرضاع، بمناسبة ختان أولاده، وبشراء قطعة غيار لداتسون موديل 1973 وإرسالها لزميل دراسة سابق ظلت سيارته معطلة طوال 14 شهرا، ويعني هذا ان أزور مقابر السيارات بل وأن أكلف معارفي في مختلف دول الخليج بزيارة مواقع «تشليح» السيارات علهم يعثرون على القطعة المنشودة.. ولكنني لم أعد أتردد خلال الأشهر الأخيرة في الاعتذار لمن يطلبون مني أشياء كلفتها المالية عالية، بعد ان أشرح لهم عن الغلاء الذي أوشك على ابتلاعنا لأن رواتبنا التي بلعها لم تكفه.. وفي معظم الأحوال كان اعتذاري يقابل بالاستنكار والرفض: كيف يكون شخص يعمل في الخليج مفلسا؟ تقول لهم: والله يا جماعة في بعض دول الخليج هناك مئات الآلاف من سكانها الأصليين من مستحقي الزكاة!! ولكن كلامك هذا يعتبر تملصا وتهربا من تقديم العون المطلوب.
قبل أيام قليلة اتصل بي صديق ميسور الحال نسبيا طالبا قرضا.. بالتحديد طلب تحويل دولارات باسمه إلى بلد أوربي، على ان يضع ما يعادل قيمتها بالجنيه السوداني في حسابي البنكي في السودان في أقرب وقت.. صحت في وجهه: أطرش أنت؟ ألا تسمع ما يتردد عن ان أسواق الأسهم في الخليج خسرت ثلاثين تريليون دولار خلال ثلاثة أيام؟ وأن بنوك المنطقة أصيبت بالشلل الرعاش وصارت تتوكأ على عكاكيز خوفا من المستخبي؟ هل تظن أنني «أهبل» حتى أترك ثرواتي تحت رحمة سوق المال الذي صار يعاني من بؤس الحال والمآل؟ ولم يستغرق مني الأمر طويلا كي أقنعه بأنه حتى لو حولت ذلك المبلغ باسمه إلى البنك الأجنبي فليس من المستبعد ان يكتشف ان البنك أفلس بعد وصول التحويل بساعتين، وكأنه أنشئ أصلا كي يدبر مقلبا لأبي الجعافر وأصدقائه.
قبل حين من الزمان اعتقلت الشرطة السودانية أكثر من 450 من علية القوم! لماذا؟ لأنهم اقترضوا من البنوك نحو 15 مليار دولار وطنشوا.. طاردت البنوك بعضهم قبل الاعتقال الأخير وشرعت في إجراءات بيع الأشياء التي رهنوها وقدموها كضمانات لنيل القروض واتضح مثلا أن شخصا اقترض ما يعادل 15 مليون دولار قدم ضمانا تساوي قيمته 50 مليار دولار زيمبابوي (بس لعلمك فإن قطعة الخبز الواحدة في زيمبابوي تكلف 5 مليار دولار).. خلال 3 أيام كان نحو ستين منهم قد دفعوا للبنوك نحو مليار ونصف مليار دولار كتسوية مبدئية تفاديا لدخول السجن (ولو دخل رجل أعمال السجن لمخالفة مرورية فإن مركزه يهتز في السوق).. واضطر بنك السودان المركزي الذي فتح البلاغات بحق التماسيح التي تأكل كل شيء ببلاش، إلى فتح بلاغات ضد عدد من موظفي البنوك الذين سهلوا لمستثمرين وهميين الحصول على أموال بدون ضمانات او تقاعسوا عن مطالبتهم بالسداد… ثم عادت ريمة لممارساتها القديمة.
المصارف في كل أنحاء الدنيا منحازة للأغنياء والوجهاء، وهذا هو سبب نكبتها الحالية، ولكنهم شاطرين في ملاحقة المساكين، ويصادرون سيارتك لأنك دفعت 90 ألف كذا من قيمتها، ولكنك لم تسدد آخر قسط مستحق بمبلغ (1500 كذا).. وهكذا يسويها الكبار ونطيح فيها نحن المساكين.. دعك من حالنا البائس أصلا، ففي أمريكا وحدها فقد الملايين ممن تجاوزوا الستين كل ما ادخروه لشيخوختهم.. هذا هو غول السوق الحر عندما يكون بلا فرامل.

[/SIZE][/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]