جعفر عباس

النمل يفعل ما لا يفعله الفيل


[JUSTIFY]
النمل يفعل ما لا يفعله الفيل
أرجو ألا يفهم من مقالي ليوم أمس أنني أسيء الظن بالبنوك عامة.. لا.. لست من هواة إصدار الأحكام المطلقة.. هناك بنوك «بلدية» وتدار بطرق بدائية وهناك بنوك عليها القيمة وعند كلمتها.. في منطقتنا لن يتضرر من أزمة البنوك وأسواق المال سوى الشبعانين لدرجة التخمة الذين يتاجرون على الورق وجمعوا الملايين وخاصة في المضاربات.. وهب ان البنك الذي يتسلم راتبي انهار وأفلس! كل ما سأقوله: ما دائم إلا الله.. وأملك من الحياء ما يمنعني من العويل والنحيب على ما قد أخسره من مال نتيجة ذلك الإفلاس.. كم المبلغ الذي سيضيع علي: عشرين ألف؟ تسعين ألف؟ يا عمي ضاع معظم العمر في الأوهام (وعود الرفاهية والرخاء وتحرير الأرض).. لا بديل للتعامل مع البنوك، بس ليت معظم الموظفين الذين لا تمتلئ جيوبهم بدرجة أو بأخرى إلا مرة واحدة في كل شهر يعملون بالحكمة التي علمتني إياها أمي: خالي من الدين غني.. أن تكون غير مدين لأحد درجة مريحة من الغنى.. ياما تعرضت لإغراءات من قبل أصدقاء يعملون في بنوك: لماذا تشتري السيارة نقدا.. دع نقودك في حسابك وسنتولى نحن تمويل شراء السيارة! شكر الله سعيكم وسامحكم.. تبيعون لي سيارة قيمتها 60 ألف بـ 72 ألف وتحسبون أنكم قدمتم لي خدمة؟ يفتح الله! التمويل بالاقتراض ربما يصلح مع التاجر ورجل الأعمال والمستثمر، ولكنه لا يصلح مع شخص تعبان مثلك.. ابتعد عن غواية الاقتراض، وقبلها ابتعد عن غواية الاستعراض.. أعني أنك لو تفاديت مجاراة الآخرين في مجال المظاهر فإن ما عندك من مال سيستر حالك فلا تضطر إلى الدين الذي هو ذلٌ بالنهار وهم بالليل.
كان لدينا في المرحلة الثانوية مدرس جغرافيا محبوب من الجميع، وكان دائم الشكوى من بؤس رواتب المعلمين، وذات يوم سأله طالب من نفس بلدته: ولكن أباك كان تاجرا معروفا وبالتأكيد نلت نصيبا طيبا من ارثه بعد وفاته.. صاح المدرس: اسكت يا حمار.. لا تقلب علي المواجع.. عندما أحس والدي رحمه الله بدنو الأجل قادنا إلى ركن في البيت وطلب منا أن نحفر الأرض في موقع معين.. وعلى عمق نحو قدم وجدنا فتافيت من الورق.. طفق والدي يحفر الأرض بيديه ثم دخل في غيبوبة.. اتضح انه كان يلف الأوراق النقدية في قصاصات صحف ويدفنها في تلك البقعة.. ووجد النمل الأبيض (نسميه في السودان «الأرضة») طريقه إليها وهكذا صارت كل ثروة وتركة والدي من نصيب النمل.. ولم تكن في متجره بضائع تكفي حتى لسداد قيمتها (الكمبيالات).. ولو كانت هناك بنوك ولو كان أبو أستاذنا يتعامل مع البنوك لما «استفرد» النمل بثروته.
لنتوجه إلى ولاية بيهار الهندية لمواساة عمنا دواريكا براساد الذي استأجر خزانة وخاصة deposit box في بنك وضع فيها 16000 دولار هي مدخراته للتقاعد، وذهب مؤخرا إلى البنك ووجد أن نقوده طارت.. أكلها النمل الأبيض وقالت إدارة البنك إنها مسئولة فقط عن سلامة الخزانة من الكسر والتلف وإنه ليس هناك مادة في القانون الهندي تسمح بطلب تعويض من النمل.. هذا ما قصدته بقولي «بنك عن بنك يفرق».. عندنا مثل شعبي جميل في السودان يقول «يلمها النمل ويطأها الفيل» أي أن الكائن الضعيف (النمل) يجتهد في لم (جمع) ما يلزمه ويأتي كائن ضخم (فيل) فيطأها ويدمرها والمثل في الحكايتين أعلاه معكوس.

[/SIZE][/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]