جعفر عباس

من يقدم السبت يلقى الأحد


[JUSTIFY]
من يقدم السبت يلقى الأحد
كانت أسرة الأمريكي هوارد كيلي فقيرة بائسة الحال، ولكن هوارد كان مغرما بالدراسة، ولتوفير نفقاتها عمل هو طفل في بيع السلع البسيطة مثل الحلويات ولعب الأطفال من باب إلى آخر، وفي ذات يوم وبعد التجوال نحو سبع ساعات في الشوارع لم يفلح في بيع شيء ذي قيمة ولم يجد في جيبه أكثر من عشرة سنتات وهو مبلغ لا يكفي حتى لشراء شفطة أوكسجين في بلدته الصناعية ذات الهواء الملوث.. وعلى صغر سنه فقد كان هوارد يعرف ان استجداء الطعام «عيب»، ولكن أمعاءه تقلصت وتكرمشت وتشربكت وتشبكت حتى كاد يصرخ، وتوجه إلى أقرب بيت ورن الجرس فخرجت إليه فتاة تكبره سنا بعض الشيء، وفتح فمه ليقول لها إنه جائع ولكن الحياء جعله يزعم أنه فقط يحس بالعطش.. ولكن وبنظرة فاحصة إلى وجهه أدركت الفتاة أنه جوعان، فدخلت ثم خرجت حاملة له كوبا من اللبن، شفطه الصغير في ثوان ثم وبكل براءة سألها: بكم أنا مدين لك؟ فقالت له: لا تدين لي بشيء فقد تعلمت من والدي ان لا أتقاضى أي مقابل عن فعل خير… هنا لم يحس هوارد فقط بامتلاء البطن بل أيضا بامتلاء القلب بالعرفان لأن هناك في بلد يتصارع فيه الجميع مثل الغيلان لجمع المال، من لديه الاستعداد لصنع المعروف في أشخاص لا يعرفهم.
ولأن من جدَّ وجد فقد نجح هوارد كيلي في دراسته وصار طبيبا، ثم لمع اسمه وصار شريكا في عيادة طبية مرموقة.. وذات يوم كان يمر على المرضى الداخليين عندما توقف عند امرأة كان ملفها يقول إن حالتها الصحية حرجة للغاية، وقلب هوارد الملف ولفت انتباهه انها من نفس البلدة الصغيرة التي ينتمي اليها وتبادل معها الحديث حول البلدة ومواقع البيوت وأماكن اللعب التي كان الصغار يرتادونها.. صار هوارد يولي المريضة اهتماما خاصا، واستقدم زملاء له أطول منه باعا في مجال مرضها ليشخصوا حالتها توطئة لتقديم العلاج لها.. وفور أن بدأت السيدة تحس بتحسن حالتها الصحية طلبت من الطبيب ان يسمح لها بمغادرة المستشفى على ان تعود إليه يوميا لمتابعة العلاج تفاديا لتراكم «الفواتير» عليها! غير ان الدكتور هوارد كيلي أبلغها ان حالتها تستوجب المتابعة الدقيقة ساعة بساعة «وأمر الفواتير يحله رب الفرج».
بعد نحو شهر شفيت السيدة تماما، وأسعدها كثيرا ان الجماعة في قسم الحسابات أبلغوها بأنهم سيسمحون لها بسداد فاتورة العلاج بالتقسيط المريح، وبينما هي تنتظر تسليمها الجدول الزمني للسداد أتاها موظف وقدم لها فاتورة طويلة وعريضة: 500 دولار هنا، و2000 دولار هناك، و12 ألف دولار مقابل كذا وكذا.. أحست بان الأرض تميد تحتها.. واستجمعت شجاعتها لتلقي نظرة على إجمالي المبلغ المطلوب في آخر الفاتورة، لتكتشف انها مطالبة بنحو 40 ألف دولار ولكن لفت انتباهها ختم بارز يفيد بأن المبلغ مدفوع بالكامل.. وإلى جانبه وبخط اليد «تم سداد قيمة الفاتورة بكوب من اللبن.. التوقيع د. هوارد كيلي».. وهذا ما يعنيه المثل الشعبي: من يقدم السبت يلقى الأحد.. يعني من عمل عملا طيبا في يوم ما سيجد المكافأة في تاريخ لاحق، هناك بيت من الشعر أعلقه على الدوام قلادة في عنقي، وأهديها لكم لتتزينوا بها: من يفعل الخير لا يعدم جوازيه / لا يذهب العرف بين الله والناس.

[/SIZE][/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]