جعفر عباس

أكلاتنا الشعبية «إرهابية»


[JUSTIFY]
أكلاتنا الشعبية «إرهابية»
كتبت من قبل عن الزول الذي تم اعتقاله في ألمانيا، بعد العثور في بيته على نحو خمسمائة جرام من مادة عشبية مريبة، وإخضاعه للمساءلة البوليسية، بحسبان انه يحوز أسلحة الدمار الشامل، وكان ذلك مع بداية هوجة مكافحة الإرهاب، واتضح بعد الفحوص المختبرية أنها ملوخية مجففة، ولكن القراء اعتبروها مجرد مزحة، وكنت قد نصحت المصريين والسودانيين بوصفهم مدمني ملوخية ان يتوخوا الحذر أثناء وجودهم في الدول الغربية وان يكفوا عن أكلها درءا للشبهات، ولكن يبدو ان إدمان الملوخية لا فكاك منه، فبعدها بأسابيع قليلة كان أربعة مصريين رهن الاستجواب في نيويورك، بعد ان تسمموا عقب تناول ملوخية وصلتهم من المنيا، وتعتقد الشرطة ان الجماعة كانوا يحضرون شيئا مثل الجمرة الخبيثة (الانثراكس)، فوقعوا ضحية فعلتهم الإجرامية، كما يحدث عندما يعد أحدهم قنبلة موقوتة فتنفجر في وجهه، وظل المجرمون الأربعة وهم عاطف بشارة وأمه فوزية بشارة وجارتهم عفاف تادرس والجار الآخر سمير مسعود رهن العلاج في المستشفى تحت حراسة الشرطة الفيدرالية، وتعرض سمير مسعود بالذات لمضايقات أمنية شديدة لأنه من قام بجلب الملوخية المشبوهة من مصر.
وقد حاول المتهمون الأربعة تبرير تعاطيهم الملوخية عمدا ومع سبق الإصرار والترصد، بالقول إن التسمم نجم عن طبخها بلحم ملوث!! كذبوا ولو صدقوا، فكيف يكون لحم تم شراؤه من أمريكا ملوثا؟ فالثابت والمؤكد هو ان الملوخية هي السبب، وتقول مصادر الشرطة الفيدرالية انها أجرت اختبارات على الغرفة التي طُبخت فيها الملوخية، فوجدتها مشبعة بغاز ثاني أوكسيد المناخوليا الذي يتولد من إضافة الثوم إلى الملوخية، ولتهدئة الرأي العام النيويوركي عقد مدير شرطة ضاحية يونكرز بنيويورك مؤتمرا صحفيا طمأن فيه سكان المدينة بأن الشرطة وضعت ما تبقى من الملوخية المستوردة في مخازن آمنة، وانه من ثم لا خوف من تسرب الغازات الضارة منها!! وقد طالعت في الصحف تقارير وافية عن المخطط الإجرامي المصري، معززة بالصور وفي إحداها كان شرطيان يقفان أمام الشقة التي شهدت التخطيط للجريمة، أي تلك التي تم فيها طبخ الملوخية. (اكتشف الأمريكان لاحقا أن هذه المجموعة مسيحية قبطية فأسقطوا عنهم فورا تهمة تهريب سلاح جرثومي).
ولولا أنني مأمور بالستر لنشرت أسماء أصدقائي وأقاربي السودانيين الذين تعرضوا للبهدلة في المطارات الأوربية لأنهم كانوا يحملون الويكة، فالأكلة الشعبية الأولى في السودان هي البامية التي يصبح اسمها بعد تجفيفها «ويكة»، ونقوم بطحنها وتعبئتها في أكياس أو علب لاستخدامها لفترات طويلة، لأنها لا تخضع لقانون مدى صلاحية الأغذية.. وفي لندن صادروا الويكة من زول وحولوها إلى المختبر الجنائي فجاء تقريره: نو هارم، نو يوس.. لا تضر ولا تنفع! كذب المختبر لأن الويكة فيها ألياف تفك الإمساك حتى عن فيل.
طيب: لماذا رحنا في داهية؟ لان الأمريكان يسعون إلى تجريمنا بشتى الطرق، ومن لم يعتقل بتهمة حيازة الملوخية اتهم بغيرها.. تعددت الأسباب والاعتقال واحد، في مطارات أمريكا يفتشون العربي بنفس الطريقة التي يفحص بها الطبيب شخصا يشك في إصابته بالبواسير أو التهاب البروستات، وشخصيا لست مستعدا لتعريض شرفي للامتهان في مطار أمريكي وبالتالي لن أسافر إليها حتى لو تكفلت جهة ما بكل نفقات سفري وإقامتي فيها، لأنني وفي المرة الوحيدة التي اضطررت فيها لزيارتها تعرضت لإرهاب مكشوف، فعند وصولي مطار واشنطن دالاس جمعوا السودانيين والسوريين والإيرانيين في موقع واحد ومر بنا كلب بوليسي في حجم وحيد القرن ولما اقترب مني كدت اعترف بالانتماء للقاعدة ولكن الشلل أصاب لساني!! وغدا سيفتون بان الشيشة أيضا من أسلحة الدمار الشامل وان سندويتش الشاروما وخاصة النوع المبروم ذو طبيعة صاروخية، وكما طلبت اسرائيل من بعض الدول العرب «تنقيح» المصحف الشريف بحذف الآيات التي تكشف مكائد اليهود، فإن أمريكا ستطالبنا بالتخلي عن بعض أكلاتنا، وخاصة تلك التي نطلق عليها أسماء حركية مريبة مثل: الهريس (من هرس) والمنسف (من نسف) والكبسة (من كبس) والطحينة (من طحن) والسحلب (من سحل) والسميد (من معاداة السامية) والفتة (من التفتيت) والحمص (من حماس)!! أما «أم علي» فكما ذكرت مرارا تقوم دليلا على أن العرب من أكلة لحوم البشر.

[/SIZE][/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]