عبد اللطيف البوني

ينفع “زلابيا” بس!


[JUSTIFY]
ينفع “زلابيا” بس!

إن هناك بلداً يستحق أن يدخل قائمة جينيس للأرقام القياسية من حيث المفارقات، فهو سيكون وبدون منازع السودان والأدلة على قفا من يشيل، فمنها ما ذكرناه قبل أيام أن السودان يصنف مع الدول الأكثر فقراً في الكوادر الصحية مع دول ليس فيها كلية طب واحدة، مع أن السودان به ثلاثين كلية طب ومثلها مختبرات وقريب منها صيدلة وكليات تمريض وكليات أشعة وكليات بصريات وكمان تخدير وعلاج طبيعي وهندسات طبية. عليكم الله دي يفهموها كيف؟ نسأل المالية ولا التعليم العالي؟ غايتو البركة في الهجرة التي هي خيار أم خير، لا هي خير ولا الموت أخير.
أردنا بالرمية الطويلة أعلاه التوسل للمفارقة الثانية وهي أن السودان من اكثر الدول المستوردة الغذاء. السودان الذي وصف بأنه سلة غذاء العالم. هذا الوصف لم يصدر من شاعر رومانسي أو سياسي حالم، إنما من منظمات عالمية مختصة درست موارد السودان الطبيعية خاصة إمكانياته الزراعية المهولة. رونالد ريغان الرئيس الأمريكي الأسبق قال وبعضمة لسانه لمجلة عربية: “إن السودان مثل الولايات المتحدة من حيث الإمكانيات الزراعية، لأن لديه موسمين زراعيين صيفي وشتوي”. شوفوا حكمة الله فأمريكا ساعدها على ذلك كبر مساحتها مع وجود جبال الروكي والانديز في مواجهة المحيط الأمر الذي مهد للأمطار، والسودان مع كبر مساحته (حتى بعد أن غادرنا الجماعة) أرضه سهلية منبسطة، وليس هناك جبال تصطدم بها الرياح المشبعة بالرطوبة، إنما تتكثف كدا من خلال صراع التيارات الهوائية (نعمتك يا رب)، لكن شكر النعمة استثمارها، بينما العبث بها يكفها.
بعد الرمية الطويلة الثانية نخش موضوعنا لنثبت أن السودان من اكبر مستوردي الغذاء ففاتورة القمح بمئات الملايين من الدولارات وفاتورة الألبان ومستخرجاتها بعشرات الملايين من الدولارات وكذا فاتورة السكر (يا مرضي) وكانت هناك الزيوت النباتية، أما الفواكه مثل أبوصرة من مصر وتفاح من إيران وأناناس من جنوب أفريقيا ثم طماطم من الأردن وبصل ثوم من الصين وسمك من إثيوبيا (ليس التونة والساردين) إنما سمك عديل كدا يمكن زراعته في ترع الجزيرة، اقال الله عثرتها ناهيك عن الأنهار الكثيرة وشاطئ البحر الأحمر.
اها خلونا في القمح الذي هو بمثابة “أب جاكومة” بالنسبة لواردات السودان الغذائية طبعا أهل السودان جديدين في استهلاكه وهذه قصة أخرى فالحكومة الآن تدعم المطاحن الثلاثة الرئيسية بأن خصصت للدولار سعرا خاصا وأهل هذه المطاحن يقولون: “إنها مصممة على القمح غير السوداني، فالقمح السوداني بالنسبة لها لا يصلح إلا للزلابيا والقراصة بالتقلية”، فالبعض يقول إن هذا افتراء على القمح السوداني من اجل اللغف والهبر بدليل أن هناك مطاحن مجربة يمكن أن تطحن القمح السوداني وتخرج منه دقيق ورَدة بفتح الراء – وكل حاجة وكانت تعمل في أمان الله وتسد ثغرة كبيرة لكن للأسف هذه توقفت أو شبه متوقفة لأن الحكومة لا تدعم القمح المحلي وبالتالي تدعم المزارع الاسترالي وتتفرج على المزارع السوداني، فجوال القمح السوداني اليوم في السوق بمائة وخمسين جنيه فقط مع أن الحكومة قالت بأنها سوف تشتري قمح الموسم الجديد بمائتين وخمسين جنيها، الأمر الذي جعل المزارع يهجر زراعته فمثلا المزروع منه في الجزيرة مائتي ألف فدان عوضا عن أربعمائة ألف فدان جاهزة وبفعل تعلية الروصيرص لأن مدخلات الإنتاج في السماء والأسعار غير مجزية، فمن يقنع هذه الحكومة بتوجيه الدولارات من المزارع الاسترالي لمزارع الشمالية وبعض الجزيرة؟.

[/JUSTIFY]

حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]