محمد سيد أحمد المطيب : الوزير الياقوتي يثير الأسئلة ويؤكد الحاجة لإيضاح الرؤية
وتضيف الورقة: إذا قلنا إن كل الأحكام معللة جهلها من جهلها وعلمها من علمها فإننا قد نواجه بسائل يقول: إن هناك أموراً لا يظهر فيها المقصد الشرعي تفصيلاً فيعبر عنها العلماء ـ حينما لا يقدرون على إيضاح الحكمة ـ إن هذا حكم تعبدي… وبناءً على هذا ينشأ سؤال هو ألاّ يتقاطع ذلك مع ما ذهبنا إليه من أن الأحكام معللة؟
ويقول الوزير الياقوتي في الإجابة عن السؤال الذي أشار إليه، بقوله: إنه قد وقع لي أن العلماء حينما يقولون إن هذا الحكم تعبدي، يعبرون فقط عن عدم وضوح الحكمة فيها، ولكن لما كان إيمانهم قائماً على القطع بجمال كل شيء جاء عن الشارع علموه أم لم يعلموه فإنهم يرجعون إلى المسألة العملية، وهي أنه مطالبون بالقيام بمطلوبات الشريعة التي قامت واتضحت بدليل مقنع وإن لم تظهر الحكمة من وراء التكليف بالإتيان به أو الكف عنه، فيقولون إن العمل وفق مقتضى الشرع أمر تعبدي، أي اقتضته ضرورة الإتيان بوظائف العبودية وهي العمل، ولكنهم لا يراهنون على أنه لا تعليل في الحكم لأنهم لم يدركوا حكمته.
ولذلك ـ يضيف الوزير الياقوتي ـ فإن الإنسان واجد هذه المسألة نسبية، فما يقول فيه شخص أنه تعبدي هو عند إنسان آخر لاحت مخايل الحكمة منه فعلم منه المراد.. ولذلك فإن قول ولي الله البركة العلامة محمد عبد الكبير الكتاني الذي جاء فيه إن «قول الفقهاء هذا تعبدي إنما هو عجز منهم» هو قول له وجاهة إن أريد به أنهم لم يدركوا الحكمة حين وجود أناس أدركوها، وعدم الوجود لا يدل على عدم الوجدان.. وخلاصة القول في هذه المسألة هي: إن ما قيل فيه تعبدي لا يعني أنه ليس وراءه حكمة وإنما لا بد من حكمة النفعية والدفعية، حيث لم يشذ عما ذُكر في هذا إلاّ الظاهرية والشيعة.. وذلك لأن الظاهرية قد تأخروا حتى عن فهم مرادات الألفاظ فلا يمكن أن يواكبوا مرادات الأحكام.. وأما الشيعة فلأنهم يجعلون التفسير حكراً على المعصوم.
ويشير الوزير الياقوتي في دراسته إلى أنه ينسب إلى الإمام الرازي أنه قال بعدم تعليل أحكام الله وكذلك أفعاله، لكنه يضيف أن الدكتور الشهيد رحمة الله تعالى عليه، أوضح المراد من ذلك بأنه إنما جاء في سياق الكلام عن أفعال الله، وقد استشهد بأن الرازي قال بتعليل أحكام الله الشرعية في المحصول، وقد نص الرازي على ذلك في مبحث المناسبة من باب القياس.
وبالعودة إلى ما تطرقنا له أمس بشأن ما أورده الوزير الياقوتي في ورقته ودراسته العلمية والتساؤلات المثيرة التي طرحها فيه والمتعلقة بمدى إمكانية النظر للفوائد البنكية التقليدية على أنها يمكن أن تحظى بأفضلية معتبرة من الناحية الشرعية لدى مقارنتها بصيغة المرابحة المعمول بها والمعتمدة كصيغة شرعية في التجربة الراهنة للبنوك والمصارف الإسلامية القائمة في السودان وغيره من البلدان العربية الإسلامية وغيرها.. بالعودة إلى ذلك تجدر الإشارة إلى أن الوزير الياقوتي قد أورد في الورقة والدراسة العلمية التي قدمها في الندوة الدولية بالخرطوم يوم الإثنين الماضي، مجموعة من الفوارق بين الفوائد البنكية والربا ذكر فيها أن الفوائد يحددها القانون، وأن تحديد الفائدة من قبل القانون يراعي الربح المتوقع من رأس المال حسب توقعات الخبراء، ولذلك فلا بد أن تكون معقولة حتى لا تتساوى مع الإجحاف المعهود في الربا إذا كانت مجحفة. وكذلك لا بد أن تُراعى فيها حقوق المتعاقدين ولهذا فهي تختلف عن الزيادة التي يحددها صاحب المال وهو يراعي الكسب الكبير وليس الكسب المعقول الذي فيه فائدة للطرفين المتعاقدين، إضافة لذلك فإن الفوائد يمكن أن تحصل منها فائدة للمجتمع بأكمله وحراك اقتصادي في عالم متغير.
صحيفة الإنتباهة