جعفر عباس

لماذا يحسبونها بالمليم


لماذا يحسبونها بالمليم
[JUSTIFY] قبل أعوام قليلة عانى قرابة تسعين ألف بريطاني الويل وسهر الليل، وهم خارج بلادهم، بعدما أفلست شركة الطيران التي كان من المفترض ان تعيدهم من البلدان التي يقضون فيها عطلاتهم، فبعد إصابتها بإمساك مالي توقفت شركة «إكس إل»، ثالث كبريات شركات النقل الجوي في بريطانيا عن العمل، بعد تجميد أرصدتها وأصولها الثابتة والمنقولة للوفاء ببعض ديونها.. وفي إيطاليا ضخت الحكومة خلال ستة أشهر 5 مليارات دولار في أوصال الناقل الوطني أليتاليا التي لم تعد لها أي جدوى اقتصادية بعد الخسائر المتلاحقة التي تكبدتها خلال السنوات الأخيرة، ولا تجد الشركة المسؤول الشجاع الذي يشيعها إلى مثواها الأخير.. وهناك نحو خمسين شركة طيران عالمية على وشك لفظ أنفاسها الأخيرة، ومن بينها ساس «الاسكندينافية» ولوت البولندية وماليف المجرية وأولمبيك اليونانية، وربما راحت فيها بعضها عند نشر هذا المقال.. وفي بريطانيا هناك بقية من روح في الخطوط البريطانية وراينير وفيرجن.
أرباح الخطوط البريطانية انخفضت بنسبة 90% خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2008، ففي ظل ارتفاع أسعار الوقود فإن طائرات الشركة تستهلك محروقات قيمتها 20 مليون دولار يوميا.. هل تعرفون كيف قررت هذه الشركة خفض نفقات التشغيل؟ قررت تخفيف حمولات طائراتها بجعل السكاكين والملاعق التي تقدم للمسافرين مع الوجبات أقصر وأقل سمكا! وجعل أكواب الشرب أقل وزنا بجرامين لكل كوب، وبذلك يصبح هناك وفر قدره 628 جراما في وزن الأكواب.. تقديم عدد أقل من الصحف للركاب (طيران الأمارات تخطط لجعل الصحف الكترونية بحيث يقرأها الراكب على الشاشة التي أمامه).. شركة أول نيبون All Nippon اليابانية قررت تقديم الطعام في صحون ورقية وأن تكون مقاعد طائراتها مصنوعة من ألياف الكربون مما يوفر 5% من اجمالي وزن المقاعد.. شركة فيرجن قالت: مفيش لزوم للسماعات في الرحلات الجوية.. عنك ما سمعت موسيقى ولا تابعت فيلم!.. شركة القطارات البريطانية ترانزبِناين إكسبريس أبلغت الركاب بأن أبواب قطاراتها ستفتح للنزول والصعود لنصف دقيقة فقط بدلا من دقيقتين.. ليش يا جماعة؟ قالوا: الإبقاء على الأبواب مفتوحة لدقيقتين صيفا يجعل الهواء الساخن يتسلل إلى العربات وشتاء يسرب الهواء الدافئ، مما يستهلك طاقة إضافية للمحافظة على درجة الحرارة المطلوبة.. وبفتح وإغلاق الأبواب لثلاثين ثانية فقط سيتسنى توفير 7% من الطاقة اللازمة لتشغيل القطارات أي ما يعادل الوقود الذي يكفي لتشغيل ألف سيارة عادية لسنة كاملة.
أعرف أن كثيرين من القراء سيتساءلون: مالنا نحن وكل هذا؟ هؤلاء خواجات قيحة وبخلاء! ما الفائدة من توفير 628 جراما الذي هو وزن خاتم في يد أي «صايع» عندنا من وزن الأكواب في الطائرات؟ التخفيضات التي تبدو شكلية ستوفر للخطوط الجوية البريطانية قيمة 40 ألف لتر من الوقود سنويا.. يا جماعة هذه شركات طيران تدار بكفاءة وكل شيء فيه محسوب بالميللي والمليم.. قبل نحو 15 سنة عندما فكروا في خصخصة شركة طيران عربية اكتشفوا ان هناك 1600 موظف وعامل مقابل كل طائرة مملوكة للشركة.. وكانت تطبيق الخصخصة، وجعل الشركة رابحة يتطلب طرد 75% من العاملين فيها لأنهم من الناحية الفعلية بلا عمل، وعبء على الشركة.. وتم صرف النظر عن الخصخصة لتظل الشركة تعمل بأسلوبها العشوائي الذي يسبب الضغط والسكري للركاب ويملأ جيوب موظفين وعمال لا عمل لمعظمهم.

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email] [/JUSTIFY]