جعفر عباس

الترشيد بالجمرة الخبيثة


الترشيد بالجمرة الخبيثة
[JUSTIFY] تناولت أمس الإجراءات التي لجأت اليها كبريات شركات الطيران، لخفض نفقاتها التشغيلية، بجعل الأكواب والملاعق والصحف المقدمة للمسافرين أقل وزنا، وحرصت على إيراد ان الخطوط الجوية البريطانية ستوفر 628 جراما من استبدال أكوابها الحالية بأخرى أقل وزنا بجرامين لكل كوب.. هذا النوع من ترشيد الإنفاق وضغط المنصرفات يعتبر عبثا ولعب عيال بمعايير الأداء المهني العربي.. تكلمت أيضا عن شركة قطارات قررت ان تبقى أبواب عرباتها مفتوحة للركوب والنزول لثلاثين ثانية فقط.. هذه الشركة اسمها ترانزبناين إكسبريس، فاحفظ الاسم جيدا كي تتفادى قطاراتها، لأن الواحد منا يفتح باب سيارته ويجرجر ساقيه ثم قدميه ويلملم أطراف ثيابه في خمس دقائق قبل تشغيل المحرك.. ولو حاول احدنا ركوب احد قطارات تلك الشركة فهناك ثلاثة احتمالات: أن لا يتسنى له الركوب مطلقا، أو قد لا يتسنى له الهبوط إلا في آخر محطة! أو أن ينحشر بين درفتي باب القطار ولا يتم تخليصه إلا بالاستنجاد بالدفاع المدني.
اتصلت هاتفيا بصديق في السودان خلال شهر رمضان المبارك المنصرم، قبل نحو ساعة من موعد الإفطار، وسمعت حوله جلبة وضجيجا فقلت له: خير إن شاء الله.. بيتك مليان خلق.. عندك معازيم من الأقاليم وصلوا في هذه الساعة المبكرة فجاء رده: أنا في المكتب.. صحت: ما شاء الله.. والله رفعتم رؤوسنا عاليا.. وأخرستم الألسن التي تتندر علينا وتتهمنا بالكسل.. وها أنتم وبعد انتهاء الدوام بثلاث ساعات لا تزالون في المكتب!! وكان الكلام الذي سمعته منه محبطا: حيلك يا أستاذ.. أي دوام وأي بطيخ؟ نحن نبقى في المكتب بعد انتهاء ساعات العمل، مستمتعين بمكيفات الهواء حتى قبل موعد الإفطار بنصف ساعة.. كنت طوال سنوات عملي في شركة الاتصالات القطرية «كيوتل»، وكلما مررت بحمام بابه مفتوح مددت يدي وأطفأت مصابيحه الكهربائية.. وكثيرا ما سمعت تعليقات من نوع: وش فيك؟ مخبول تطفي في الليتات (المصابيح ومفردها ليت التي هي تحريف لكلمة لايت الانجليزية التي تعني ضوء وإنارة).. ولأنني أقيم في مسكن «مجاني» ولا أدفع فاتورة الكهرباء، فإن حنجرتي أصيبت بالتهابات مزمنة وأنا أطالب عيالي بعدم إضاءة المصابيح إلا في الأماكن التي يجلسون فيها.. في السودان عندنا نظام شراء كهرباء نسميه الجمرة الخبيثة فأنت تشتري بطاقة شحن لعداد الكهرباء، (مثل الموبايل) وتنقطع عنك الكهرباء بمجرد استنفاد الرصيد ولما ذهب عيالي إلى الخرطوم قبل 6 أشهر مارسوا البذخ الكهربائي وعاشوا أكثر من ليلة في ظلام دامس وأنا شامت فيهم لأنه لم تكن وقتها هناك محلات لشراء بطاقات الجمرة الخبيثة ليلا!!
وأنت تتجول بسيارتك في أي عاصمة عربية مساء انظر إلى المباني الحكومية، وستجدها مضاءة فتحسب ان بها حفل عرس جماعي (ألا تعتقد ان نظام الجمرة الخبيثة في الوزارات سيوفر على خزائننا الملايين؟).. لو سحبت كل دولة عربية السيارات من موظفيها لوفرت – حتى أكثرها فقرا – مبالغ تكفيها لإقامة سبع مفاعلات نووية.. في دول العالم المتقدم يمنح الوزراء بدل مواصلات.. وفي السويد يستخدم رئيس الوزراء الدراجة.. وعندنا ينعم حتى رؤساء الأقسام بسيارات حكومية مع ان المنطق يقضي بتوفير المواصلات لصغار الموظفين الكحيانين.. والهوامير والتماسيح كفاية عليهم رواتبهم المتلتلة وحواشيها من بدلات تبلغ ثلاثة أضعاف الرواتب.

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email] [/JUSTIFY]