الطاهر ساتي

عزة النفس


عزة النفس
** عند إقتلاع نظام القذافي من جذوره، تعرضت ليبيا لأحدث دموية، فآثرت جاليتنا هناك السلامة والعودة إلى حضن الوطن رغم أن حضن الوطن بدفء (صاج سمك)..وكانت الجالية ذات كثافة عالية لحد التزاحم في المطارات بالآلاف في إنتظار رحلات سودانير وغيرها من أطواق النجاة، وهنا إنتابت السفارة البريطانية بالخرطوم الإنسانية والرغبة في مساعدة جهاز المغتربين في عمليات إجلاء جاليتنا من مخاطر الحرب ببعض الطائرات..ولكن الدكتور كرار التهامي، الأمين العام لجهاز المغتربين- وكان مسؤولا بغرفة العمليات – شكر السفارة البريطانية وإعتذر عن قبول طلب المساعدة، فسألته في مؤتمر إذاعي عن سبب الإعتذار ورفض المساعدة البريطانية، فرد بمنتهى السرعة : ( والله بس كنوع من عزة النفس كدة رفضنا المساعدة)..فاستوعبت الرد بلسان حال همس للخاطر بمثل شعبي مفاده (كرافتة من غير قميص)..!!

** وسيناريو تلك المساعدة المرفوضة يعيد ذاته في قضية آفة أسراب الجراد التي تحجب شمس الشمالية عن الأهل هناك..فلنقرأ الخبر الآتي : ( إدارة وقاية النباتات بالزراعة الإتحادية تنتقد منظمة الزراعة والأغذية – الفاو – لعدم دعمها للسودان في مواجهة غزو أسراب الجراد )..حسناً، فلتنتقد إدارة وقاية النباتات تلك المنظمة الدولية لعدم الدعم، هذا إن كانت المنظمة ملزمة بالدعم ..فالدعم شئ والحق شئ آخر، ومع ذلك فلتنتقد إدارة وقاية النباتات..فلنقرأ بقية الخبر على النحو الآتي : ( بعد النقد، رفضت إدارة وقاية النباتات بالزراعة المركزية طلباً لمسؤول رفيع بمنظمة الزراعة والأغذية لزيارة السودان، وأخبرته بإحتواء السلطات السودانية أسراب الجراد وكافحتها وليس هناك من داع للزيارة)، أو هكذا الحدث الأخير ..!!

** فالمنظمة الدولية تسعى لمساعدة بلادنا في مكافحة الجراد الصحراوي، بدليل إبداء رغبتها في إرسال مسؤول رفيع المستوى إلى بلادنا ليقف على حجم الكارثة وخسائرها وكيفية مجابهتها..ولكن، إدارة وقاية النباتات بوزارة الزراعة، وبالتأكيد بعلم أو بتوجيه وزير الزراعة، ترفض المساعدة وتعتذر عن إستقبال مندوب المنظمة الدولية بلسان حال قائل : ( لاخلاص كافحناه برانا، وما عايزنك، ولا محتاجين ليك)، أو هكذا موقف وزارة الزراعة.هذا الموقف غير صائب حتى ولو كان المراد به إظهار (عزة النفس).. وبالمناسبة، أرض الوطن لاتزال تضج بقوات الهجين وغير الهجين، وكذلك حلايب لاتزال تصطلي بنار الإحتلال، فاين المسماة بعزة النفس في هذه الحقيقة وتلك ؟..المهم، ليس رفض مساعدة منظمة الفاو، بل الزعم بإحتواء آفة الجراد أيضاً غير صائبن وبمثابة تضليل للراي العام .. يوم البارحة، كان أسوأ أيام الأهل بالولاية الشمالية، حيث زادت فيه كثافة الجراد وإتسعت دائرة إنتشارها..!!

** وإن كانت اللجنة الزراعية بالبرلمان لاتعلم، فلتعلم بأن مساحة إنتشار أسراب الجراد شملت كل محليات الشمالية، ما عدا محليتي (حلفا ودلقو)..بل حتى حلفا ودلقو قاب قوسين أو أدنى من مخاطر الغزو، إذ محلية البرقيق التي تتعرض لمخاطر الغزو حاليا لاتبعد إلا بضعة كيلومترات عن (حلفا ودلقو)، هكذا الموقف شمالاً..أماً جنوباً، فالزرع من دنقلاً وحتى مروي تحت رحمة السماء فقط لاغير، بعد أن تعرض لغزو أسراب الجراد..وليست هناك وسائل وآليات المكافحة ذات الفعالية – في طول الولاية وعرضها – غير (طيارتين) و(13 بوكس)..والمؤسف للغاية، تلك الآليات تعاني من (شح الوقود)، بين الحين والآخر..وليس من العقل أن نترقب مكافحة ناجعة من آليات قوامها (طيارتين وتلاتاشر عربية)، في ولاية بتلك الجغرافية الشاسعة..ورغم بؤس الموقف، ترفض وزارة الزراعة مساعدة منظمة الفاو لترضي غضب وزير أو مدير إدارة على تأخر الدعم..علمأ أن الوزارة لم تطلب الدعم من المنظمة في مرحلة الوقاية، وهي مرحلة التوالد التي حذرت فيها المنظمة وطالبت بالمكافحة، حسب تقاريرها الشهرية.. بل، طلبت الدعم بعد توالد وإنتشار الأسراب..!!

** قضايا الناس والبلاد لاتدار بنهج (علي الطلاق )، ولا بردود الأفعال الذاتية (غضباً كان أو طرباً)، بل بالحكمة والمسؤولية.. وليست من الحكمة أن يغضب أحد المسؤولين بوزارة الزراعة، وزيراً كان أو مديراً، ويتحمل الوطن والمواطن غضبه بحيث يرفض مساعدة المنظمة الدولية ويرفض إستقبال مسؤولها ثم يتباهى بالغضب والرفض في وسائل الإعلام..فلتتدخل سلطات البلد العليا وتصلح ما يفسده نهج وزارة الزراعة، هذا قبل أن يقضي الجراد على الأخضر واليابس في طول البلاد وعرضها، ثم يخرج وزير الزراعة للناس والحياة بلسان حال قائل : ( والله نحن رفضنا المساعدة الدولية وجبنا ليكم المجاعة كنوع من عزة النفس) ..!!

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]