بنات الزمن دا
أحد أعمامنا في خمسينيات القرن الماضي هج من البلد وقصد الصعيد والصعيد بالنسبة لنا كان منطقة سنار وجنوبها فخرج في فزعة رهط من الأهل فأدركوه هناك وسألوه عن سبب خروجه من البلد مغاضبا، فقال لهم إنه يريد الزواج ووالده تلكأ في هذا الأمر ولكي يقطعوا دابر المشكلة قالوا له اخبرنا من تريد من البنات لكي نعقد لك هنا، وتذهب معنا وأنت عريس إلى بيت زوجتك مباشرة، فأجاب قائلا: (افردوا الضكر) أي استثنوا الذكور، واعقدوا لي على أي بنت تختارون، وقد حدث إذ عقدوا له على بنت واحد من أعضاء الفزع، والأن أحفاده على وش زواج.
تلك الرمية توضح لنا أن الأجيال السابقة معاييرها في اختيار الزوجة مختلفة، وإذا أضفنا إليها طريقة (غطي قدحك)، وهي أن زواج الشاب من بنت عمه من المسلمات، لا بل إذا خطب أحدهم واحدة من البنات، وابن عمها في عمره يعتبر هذا إهانة لابن العم، قد ينتج عنه ما لا يحمد عقباه، وبطبيعة الحال البنت مستسلمة لهذا الأمر. ارجو ألا ينط علىَّ هنا واحد عامل فيها تحرري أو واحدة عاملة فيها جندرية، وتقول لي هذا فيه مساس بحقوق المرأة أو اضطهادا لها أو شئ من هذا القبيل، فهذه ثقافة سائدة يقع عبئها على المرأة والرجل، ومن اهم افرازاتها أنه لا توجد عنوسة على الإطلاق فليس هناك (عاوز اكمل تعليمي) أو (مالاقي /مالاقية معاه نفسي)، فأي بنت تكون في عمر الزواج مسئولية زواجها تقع على القبيلة أو الأسرة الممتدة.
طيب دعونا نقفز مباشرة إلى الزمن العلينا دا حيث إن طالبات الجامعات ضعف عدد الطلاب، وآخر الدراسات تقول إن العنوسة قد فاقت الثلاثين في المائة، فالبنت تريد مواصلة تعليمها وهذا شئ طبيعي ومحمود، فليس هناك من يدعو إلى عدم ذلك، ولكن زميلها وان شئت قل نديدها ينتظر إلى أن (يكوِّن حاله)، ويتزوج من الأجيال القادمة، أما إذا نظرنا إلى رصيفتها في البلدان الغربية والأفريقية وبعض البلدان العربية فهي الأخرى لا تشكو من عنوسة ولا تشكو من عدم الزواج، لأنها تمضي حياتها بالصورة التي تريد وهذا لا يتناسب مع واقعنا.
إذن يا جماعة الخير أن بناتنا المعاصرات أصبحن من ضحايا التغيير الذي يكتنف مجتمعنا الذي هو مجتمع متحول من مرحلة إلى أخرى، فهن ليس مثل رفيقاتهن في المجتمع التقليدي الذي لم تجتاحه رياح الحداثة وليس مثل بنات المجتمعات التي غاصت في الحداثة، ومن المؤكد أن هذه المرحلة سوف تنتهي بعد أن يصبح أجيال الأولاد الحاليين جاهزين للزواج، ويتزوجون من الجامعيات القادمات، فالمشكلة إذن مؤقتة ومنحصرة في هذا الجيل (الجيل قد يستمر لربع قرن من الزمان)، فبالتالي لا بد من حلول عبقرية تقلل من عدد الضحايا، وفي الإسلام رحابة، فهناك (زواج فريند) الذي دعا إليه الشيخ عبد المجيد الزنداني وهناك (زواج طالب) الذي اقترحه أحد الشيوخ بأن يتكفل أب البنت أو أب الابن بالزيجة إذا كان قادرا وهناك المسيار للقادرات، وهناك التعدد, التعدد العديل دا وبدون أي لولوة, فشئ من الفهم المتقدم للدين مع تجاوز لبعض العادات والتقاليد البالية يمكن أن ننقذ هذا الجيل من البنات حتى لا يدفع ثمن التغيير وحده.
حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]