جعفر عباس

الصندوق الفيروسي


الصندوق الفيروسي
[JUSTIFY] أكتب كثيرا عن نانسي عجرم وفيفي عبده ورزان مغربي وإليسا وهيفا وغيرهن من نواقض الوضوء، ويستاء بعض القراء من ذلك لأنهم يرون فيهن، وأشباه الرجال الذين يملأون الأثير ولولة وغنجا «شيئا يشرح الصدر»، بينما يقول قراء آخرون: ذبحتنا بنانسي وأخواتها.. فكنا من ها السيرة! ولكن هيهات، فالحرب بيني وبين هذه الفئة سجال، ربما لأنني متخلف، وربما لأن ذوقي شديد الرقي، وربما لأنني اعتقد ان خطر فتيات وفتيان الفياغرا الذين يتسللون الى بيوتنا عبر قنوات الصرف الصحي الفضائية أشد وأعظم من خطر إنفلونزا الطيور والصراصير.. كثيرون لا ينتبهون الى ان ذلك الصندوق العجيب الذي لا يخلو منه بيت، صار مصدرا لجراثيم فتاكة تتطاير من البضاعة الفاسدة التي يحويها.
قبل أشهر قليلة أعادت القناة الرابعة البريطانية (تشانيل فور) عرض برنامج شارك فيه تسعة شبان وشابات متعلمون، وكان البرنامج عن رحلة في الفضاء يقومون بها انطلاقا من قاعدة روسية، وأقلعت الطائرة بالمجموعة، وبعد عدة ساعات من الطيران حطت في مطار، واستقبلهم نفر من الروس يتكلمون انجليزية مكسرة واقتادوهم الى مركز التدريب الذي سيعدهم للرحلة الفضائية.. وهناك ألبسوا كل واحد منهم قطعة بامبرز (حفاظات منع تسيب السوائل والفضلات من الجسم) وملابس ضيقة جدا.. ولأنني لست كاتب قصة فسأضحي بعنصر التشويق وأقول لكم ان المسألة كانت «استهبال في استهبال»، فالطائرة التي ركبوها ظلت تطير حول بريطانيا عدة ساعات ثم حطت قرب مدينة إبسويتش بانجلترا، ولم تكن هناك قاعدة جوية او بطيخ، بل كان كل شيء مفبركا، وكان الخبراء الروس الذين يلقنون المجموعة فنون قيادة مركبات الفضاء ممثلين عاديين لا يعرفون الفرق بين الصاروخ واسطوانة الغاز،.. ولكن اسرة البرنامج أعدت الخدعة بإتقان، وكانت اللافتات في المكان باللغة الروسية وفي غرفة جهاز محاكاة مركبة الفضاء rotalumis ظل المساكين التسعة يتلاعبون بأزرار عديمة المعنى والجدوى، وهم يحسبون ان أمسكوا بثور غزو الفضاء من قرونه، ثم قال لهم المدرب إنهم دخلوا مرحلة انعدام الجاذبية، وعندما تساءل أحدهم: ولماذا لا نحس بانعدام الوزن ونتشقلب ونسبح داخل المركبة وتصبح أرجلنا الى فوق ورؤوسنا الى أسفل؟ قال لهم المدرب انه استخدم شفاطات لمنع الجاذبية من التأثير عليهم.. ثم أدخلوهم في جسم مخروطي يشبه المركبة الفضائية، وسرعان ما انطلقوا بهم الى الفضاء الخارجي.. طبعا لم يتحرك ذلك الجسم سنتيمترا واحدا، وكل ما هناك هو أنهم دخلوا أنبوبا كذلك الذي تجده في مدن الألعاب ويعطيك الاحساس بالطيران او السقوط من ارتفاع شاهق.. (دخلت تجربة مشابهة في مدينة ديزني ولولا أن عيالي معي لبكيت نفسي بأعلى صوتي من الهلع وقرأت الفاتحة على روحي وذكرت «محاسني».
والشاهد هو ان الحكاية انطلت على تلك المجموعة كما انطلت على نسبة عالية من المشاهدين الذين تحسروا على عدم نيلهم الفرصة للمشاركة في برنامج يتيح لهم السفر في الفضاء.. وهذه الواقعة خير برهان على أن التلفزيون يتقن فن بيع الوهم وزبائن الوهم كثيرون! هل تذكرون حرب الخليج الأولى (تحرير الكويت) قال الأمريكان انهم استخدموا قنابل ذكية لا تلحق الأذى بالبشر وصدقهم الكثيرون، وجاءت حرب الخليج الثانية واستخدمت فيها قنابل أكثر «ذكاء»، ولكن وسائل الإعلام كشفت ان تلك القنابل، ومن فرط غبائها تقتل الناس ولا تلحق الضرر بالمنشآت… ومع هذا لا تزال قناة فوكس نيوز الأمريكية تتغنى بمحاسن القنابل الذكية الحنينة الرؤومة!

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email] [/JUSTIFY]