غلطان المعلوم
والده ابنعوف سليمان من طلائع الرأسمالية الوطنية الحديثة فقد كان تاجرا يملك نصف الخرطوم السودانية (السوق العربي في مواجهة السوق الافرنجي) فمن منا لا يعرف عمارة ابنعوف التي كانت معلما في وسط السوق العربي توصف بها المواقع وكان هو (جعفر) من خريجي كلية الطب جامعة الخرطوم المتميزين في منتصف ستينيات القرن الماضي وكان يمكنه أن يمتلك مستشفى خاصا باسم العرجونة أو الليمونة أو حتى الجعفر ولكنه وبحكم النشأة يرى أن التجارة تكون في السلع والمحاصيل وليس في الخدمات التي يجب أن تقدمها الدولة كالصحة.
تتجلى الفكرة الانسانية في انه تبرع بقطعة الارض في ذلك الموقع الاستراتيجي الذي يقابل مشرحة مستشفى الخرطوم التعليمي يكون مستشفى للاطفال وبجهده الخاص وبدعم اهلي داخلي وخارجي ودعم من الدولة استطاع بناء ذلك المستشفى ليصبح اضخم مستشفى عام في السودان حيث يتردد على حوادثه ستمائة طفل يوميا مع تنويم يصل إلى خمسمائة سرير وبهذا كان يمكن تطويره وبكل سهولة إلى مستشفى مرجعي مع الاحتفاظ بحوادثه في نفس الوقت.
الكباتن جمع كابتنالذين لم تعجبهم مجانية العلاج والطامعين في ذلك الموقع الاستراتيجي والممتلئون حقدا وغيرة على دفقة الانسانية التي يتحلى به البعض قرروا مضايقة الرجل فأصدر احدهم ـ وهو في عمر ابنائه رمت به الانقاذ ساعة التمكين ـ قرارا بنقل جعفر ابنعوف لانه طبيب مثله مثل اي طبيب خاضع لقوانين الخدمة العامة ولكن بذرة الخير المركوزة في هذا الشعب الفضل اهتزت وربت ووقفت وقفة رجل واحد ضد ذلك القرار. وعلى حسب علمي فقد تدخل الشهيد الزبير محمد صالح النائب الاول لرئيس الجمهورية شخصيا وامر بوقف ذلك العبث فكان تكريم الرجل بواسطة رئيس الجهمورية لا بل تسمية المستشفى باسمه، حدث هذا في اخريات القرن المنصرم.
لكن يبدو أن روح الشر طويلة وهاهم هذه المرة يهجمون على ذلك الصرح بالقرارات والمصحوبة بالبلدوزرات والجرافات على مستشفى جعفر ابنعوف بحجة نقل الخدمة الطبية إلى المواطنين في الاطراف وهي كلمة حق أريد بها باطل لأنهم يعلمون انهم ليس في استطاعتهم أن يعوضوا الخدمة التي كان يقدمها ذلك المستشفى لاطفال السودان في الاطراف ولو عملوا ليل ونهار ولعدد من السنين الا لكانوا قد وضعوا البدائل الكاملة قبل إعمال القرارات والبلدوزرات والجرافات.
ان نهاية حوادث مستشفى جعفر ابنعوف ليست نهاية لمبان أو خدمة لاطفال بؤساء انما نهاية لفكرة، انها نهاية لمعنى كبير ليس مجانية العلاج وحدها، انها نهاية لفكرة انسانية مهنة الطب، انها نهاية لفكرة شراكة المجتمع والدولة من اجل تقديم خدمة طبية محترمة لاطفال شعب يعاني آباؤهم شظف العيش وكدر الحياة، انها نهاية لفكرة انتصار الخير في النهاية، فالشر يمكن ايضا أن يكسب جولات في صراعه الابدي مع الخير . بذرة الخير يمكن أن تتكاسل وتخمد وتعجز عن الإنبات . ولكن يبقى الأهم من كل ذلك لماذا تعطي الحكومة حق الانفراد باتخاذ القرار حتى ولو كان كارثيا؟ هل كل اجهزة الحكومة متواطئة مع المتواطئين ام أن هناك حكومة سرية لا يراها الناس بالعين المجردة؟.
حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]