جعفر عباس

عودوا إلى الدراسة وليس المدرسة


عودوا إلى الدراسة وليس المدرسة
[JUSTIFY] راج في فرنسا خلال الأعوام القليلة الماضية كتاب يحمل عنوان «دليل المراجعة للكبار خلال العطلة»، ومازال بين الكتب الأكثر مبيعا في فرنسا، ويعنى بتذكير الآباء والأمهات بأشياء تعلموها في المدرسة ثم نسوا أمرها، وصاروا عاجزين عن مساعدة عيالهم أثناء أدائهم واجباتهم المدرسية: ما هي نظرية فيثاغورس؟ متى وكيف بدأت الحرب العالمية الثانية؟.. تصريف الكلمات، أحكام الزكاة، كيف يتفاعل قطبا المغناطيس.. الوالدان ليسا مطالبين بالإلمام بكل المواد المقررة على عيالهما، ولكن افتراض ان الأولاد يذهبون الى المدرسة ويعودون ويجلسون بين الحين والآخر لبضع دقائق لأداء الواجبات المدرسية هو الذي سيجعل منهم ناجحين وفالحين، وهمٌ ثمنه فادح.. المدرسة والجامعة لا يعطيان الطالب إلا المواد والأدوات الأولية.. يعلمونه كيف يستخدم المفك والمطرقة والكماشة والزردية لمعالجة هذه المسألة او تلك في التاريخ او الجغرافيا او الفيزياء، وكمعلم سابق وأب حالي فإنني أقول إن من يترك أمر تعليم عياله للمدرسة وحدها سيقبض الريح و«يأكل هوا».. الطالب يحتاج الى مساعدة في البيت سواء كان سعوديا او سويديا أو بوركينا فاسويا.. ومن ثم فإنني شديد الحماس للكتاب الذي أصدرته دار النشر الفرنسية ليساعد الكبار على تذكر معلومات أساسية تلقوها عندما كانوا في المدارس ثم نسوا أمرها بسبب مشاغل الحياة او طبيعة أعمالهم.. شخصيا استفدت كثيرا من مراجعة الدروس مع عيالي.. مثلا كنت على الدوام مقتنعا بأن صلتي بعلم الرياضيات توقفت عند اثنين زائد اثنين وعشرة مضروبة في عشرة.. وعندما دخل أكبر عيالي المدرسة أفهمته أنه سيحرم من الميراث لو سألني أمرا يتعلق بالأرقام.. يعني لم يكن مسموحا له ان يقول شيئا من قبيل: النهار ده السبت يوم سبعة في الشهر.. كم يكون يوم السبت الذي يليه؟ مثل هذه الأسئلة المعقدة كانت ممنوعة عندي في البيت.. ولكنني كنت أراه مزنوقا ويبكي أحيانا لأنه لا يستطيع ان يحل مسألة حسابية.. كنا في أبوظبي وقتها وكان لي صديق صيدلاني وكنت أتصل به هاتفيا واسأله: إذا خسر تاجر 25% من رأسماله البالغ ألف درهم فكم يكون قد خسر.. وكان صاحبي لا يرى فائدة من إعطائي الإجابة عبر الهاتف ويعرج على بيتنا ويجلس ويشرح لولدي الكسور العادية والعشرية.. وكنت أجلس مستمعا اليه وهو يشرح، وشيئا فشيئا اكتشفت انني لست بليدا في الرياضيات بالدرجة التي تجعلني لا أحاول حل أي مسألة رياضية.. و«تطورت» وصرت قادرا على مساعدة عيالي في فهم الرياضيات حتى مقرر الرابع الابتدائي (بصراحة فإن مخي لا يقبل علم الجبر إطلاقا وبمجرد رؤية أشياء مثل س+ص= ع-3، أصاب بنوبة هستيرية) ومن ثم عرف بيتنا مدرس الرياضيات الخصوصي حتى بلغ ولدي الأكبر الـ16 وبعدها تولى هو تدريس بقية إخوته علم الرياضيات… نعم أنا مع الاستعانة بمدرس خصوصي ولكن فقط في المواد التي لا يعرف الوالدان عنها شيئا.
وقد تركت الجامعة مسلحا ببكالريوس في اللغة الإنجليزية التي درستها على مدى 12 سنة على أيدي أساتذة خواجات (بعضهم بيض وبعضهم سود.. سودانيون)، وبالتالي كانت اللغة الإنجليزية هي المادة التي استطيع فيها مساعدة عيالي خلال سنوات الدراسة بأكثر ما ساعدتهم المدارس، وكانت النتيجة أنهم صاروا «بلابل» في الإنجليزية.. وفي الرياضيات منهم من أدركته رحمة من ربي فلم يكن مصيره فيها مثل مصيري ومنهم من تعلل بأن الضعف في تلك المادة أمر وراثي.. والله يجازي من كان السبب……… خيرا.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]