جعفر عباس

عيالنا من الدادة إلى الدادة


عيالنا من الدادة إلى الدادة
[JUSTIFY] أواصل ما بدأته أمس بإعادة التأكيد أن العيال ينجحون او يرسبون في المدرسة لأنهم يجدون أو لا يجدون الدعم الأكاديمي من البيت.. من الوالدين أو الإخوة أو الأقارب.. طبعا يكون الوالدان معذورين إذا كانا أميّين.. ولكن الطامة الكبرى هي أننا نكاد نرفع أيدينا كلية عن رعاية عيالنا.. فقد صارت الاستعانة بالخادمات «موضة» يتنافس فيها المعسرون مع المقتدرين ماليا، وعندما يكون لدينا طفل رضيع لا بد من دادة أو تقوم الخادمة مقام الدادة، وأعرف كذا عائلة من مختلف الجنسيات في منطقة الخليج توكل الى خادمات أمر متابعة العيال وهم يؤدون واجباتهم المدرسية.. بل هناك «المصحصحون» الذين يقولون لك: جبت خدامة فلبينية منشان العيال يكونوا أقوياء في الانجليزية!! هل نعومة الشعر وشدة سواده دليلان على إتقان الانجليزية؟ ونصيحة لأولياء الأمور من هذه الشاكلة: إنجليزية الآسيويين عموما مصابة بعاهات مزمنة.. إذا كانت عندك خادمة فلبينية وتحسب أنها بلبل في الإنجليزية اطلب منها أن تنطق اسم «جعفر».. اسم حلو وموسيقي ويجنن.. والخادمة معفية من نطق حرف العين في الاسم ولكنها ستتجاهل أيضا حرف الفاء وتقول لك إن الاسم هو «جابر» واطلب من كوري او ياباني أن ينطق نفس الاسم وسيقول: جابل.. وروبرت عندهم يصبح «لوبلت».. وطبعا نحن الناطقين بالعربية أيضا نبهدل الانجليزية ولا نعترف بحروف مثل V/P.
وبعد سن معينة يقوم المدرس الخصوصي بدور الدادة، وتتم الاستعانة بالمدرس الخصوصي في أحوال كثيرة ليعفي الوالدان نفسيهما من مهمة وعناء تدريس العيال! وأولياء أمور كثيرون يتحدثون برضاء تام عن عيالهم: ما شاء الله عليه حمود ما ياكل ولا ينام قبل ما يخلص واجباته المدرسية!! الله يخلي لك حمود ويوفقه.. بس هل حدث ان ألقيت نظرة على دفاتره؟ العبرة ليست بأداء الواجبات في مهلة زمنية محددة بل بكيفية أدائها.. يعني إذا ظل – مثلا – ولدك يؤدي واجباته المدرسية بانتظام على مدى ستة أشهر من دون ان يطرح على أحد سؤالا ولو من شاكلة: متى توفي البحر الميت ومن تسبب في وفاته؟.. وطالما هو ميت ليش يذبحونا بكلام عنه ويتركونه على الخريطة؟ يعني مهما كانت عبقرية البنت او الولد فإنهما قطعا وفي مواد معينة بحاجة الى توجيه الى الفهم الصحيح لها.
ننسى ان عيالنا هم أهم استثمار، ولا أقول ذلك بالطريقة الاستعباطية التي تقول بها الحكومات العربية ان «الشباب هم رأسمال المستقبل»، بل بمنطق شخص منكم وفيكم ينتمي الى أسرة ممتدة ويدرك كم كان محظوظا إذ نال تعليما جامعيا أهله لشغل وظائف تجعله قادرا على مساعدة والديه وأخواته وخالاته وعماته.. بلداننا ليس فيها ضمانات شيخوخة او بطالة أو إعاقة، ومعظمنا – إن لم يكن جميعنا – نأمل في ان يجد عيالنا تعليما جيدا يؤهلهم لوظائف تعينهم على مساندة العائلة عندما يكبر كاسب قوتها او يموت.. والمؤسف هو ان الرجال يتركون لزوجاتهم كافة شؤون البيت، بما في ذلك الأمور المدرسية.. يعني على الأم ان تناضل مع الغبار والصابون والبصل والثوم ونابليون وصادرات الأرجنتين، أما الأب فبمجرد دخوله البيت يتحول الى حاكم عسكري: اسكت يا ثور.. لا اريد ان اسمع حسك يا زفتة.. لو صحيتوني قبل الساعة 6 مساء شوفوا بيت ثاني! وقد يكون هذا الأب حائزا على درجات عليا في الرياضيات والفيزياء، ولكن ما ان يسأله ولده عن شيء في الكهرباء حتى يصيح فيه: أنا بدفع 1500 ريال في الشهر لأستاذ خميس عشان أريح نفسي من وجع الراس.. وخميس مسكين مثل مدربي أندية كرة القدم: إي فشل وتنهال الشتائم على رأسه ثم «يخرج» مطرودا.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]