جعفر عباس

العقار الذي قاد جامبار إلى القمار


العقار الذي قاد جامبار إلى القمار
[JUSTIFY] تحدثت في مقالي الأخير عن الأخطاء الطبية، وبعض المصادفات التي جعلت من تلك الأخطاء نقطة تحول إيجابية في تاريخ الطب.. ورغم خوضي الدائم في أمور العلم والصحة (من دون أن يعني ذلك أكثر من أنني مجرد قارئ يجتهد لمتابعة المستجدات في هذا المجال) فإنني لا أحسن الظن بالكثير من الاختراعات والاكتشافات إلا بعد ان تصبح «موضة قديمة».. مثلا عندي قولون مشهور ومعروف في الدوائر الطبية، وجميع المستشفيات على استعداد لاستقبالي بلا مقابل (بل ومقابل رشوة) لدراسة قولوني هذا، ولكنني لست على استعداد لتعاطي أي دواء «جديد» للقولون إلا بعد أن أتأكد بمراجعة مصادر مختلفة من أنه ناجع بدرجة معقولة وليس له آثار جانبية خطيرة… بل أنفجر في وجه أي شخص لا يعمل بالطب يتبرع بتقديم وصفات علاجية لي لهذا المرض أو ذاك متذرعا بأن التجربة أثبتت نجاعتها ومفعولها، لأنني لست من جماعة «اسأل مجرب ولا تسأل طبيب» بل من جماعة «اسأل بيطري ولا تسأل مجرب»
دوديير جامبار موظف في وزارة الدفاع الفرنسية، أصيب بالشلل الرعاش (باركنسون) ووصف له الطبيب عقارا «جديدا» للمرض قبل سنوات، ويقلل العقار من نوبات الارتعاش وبطء الحركة… جامبار رفع دعوى على وزارة الدفاع يطالب فيها بتعويض يناهز 600 ألف دولار.. لماذا؟ لقد تراكمت عليه ديون قدرها 300 ألف دولار أمريكي! لماذا؟ لأنه مارس لعب القمار بعنف وحماس، وكلما خسر في موائد القمار سرق أموالا من أقاربه وأصدقائه، بل باع اللعب الالكترونية الخاصة بطفليه ليشبع ولعه بالمقامرة.. العقار الذي تعاطاه يقوم بوظيفة تشابه وظيفة مادة الدوبامين الموجودة في جسم كل إنسان وتقوم ببرمجة «المزاج».. ولكن جامبار ومحاموه يقولون إنه لم يمارس القمار قط قبل تعاطي ذلك الدواء.. والمصيبة الأكبر أنه صار يرتاد أندية الشذوذ الجنسي وينغمس فيها.. وفي لحظات تأنيب الضمير حاول الانتحار ثلاث مرات.. جامبار أتى بشهود تعاطوا نفس ذلك الدواء وانقلبت حياتهم رأسا على عقب، من بينهم رجل دخل السجن بسبب تراكم ديون الميسر عليه، ونساء صرن يمارسن الدعارة ليس طلبا للمال بل للمتعة.. ولجأ جامبار الى استشاري أمراض المخ والأعصاب فيليب داميير في مستشفى في مدينة نانتس الذي أوقف عنه ذلك الدواء، وأعطاه بديلا خلّصه من تلك النزوات والشطحات والانحرافات.. والشركة المنتجة لذلك الدواء اليوم في حيص بيص، فقد رفع بريطانيون أيضا دعاوى بأن العقار جعلهم يدمنون المقامرة.
طبعا ما من دواء كيميائي أو عشبي إلا وله أثر جانبي أو أكثر، ويكون الأثر معروفا لدى الأطباء والجهات المنتجة للأدوية، ويقع الفأس على الرأس عندما لا يتم تنبيه المريض لوجود مثل تلك الآثار، وخاصة إذا كانت تؤثر على السلوك.. مثال بسيط: تقع آلاف حوادث المرور يوميا لأن سائقي بعض السيارات كانوا قد تعاطوا أدويةً شائعة وواسعة التداول لعلاج السعال، والتي يحتوي معظمها على مواد معينة تؤدي الى إرباك وظائف الدماغ ولو بدرجة طفيفة، فيفقد متعاطيها القدرة على تنسيق حركات أعضاء جسمه NOITANIDROOC فيصبح رد فعله العكسي الـ«ريفلكس» بطيئا أو خاطئا.. هل الدواء الذي تعاطاه جامبار موجود في الأسواق العربية؟ لا أعرف، ولا معنى لأن تعرف.. هل سمعت بعربي نال تعويضا بسبب وصفة طبية خاطئة او لتناول عقار انتهت صلاحيته؟ لا وكلا وحاشا فقد علمتنا التجارب أن الشكوى لغير الله مذلة حتى في أمور أمر الله قضاتنا بالبتّ فيها بالعدل والإحسان.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]