وقطاع الشمال
في نشرتها الرئيسية ليوم الجمعة 15 مارس، قامت قناة الشروق باستطلاع لآراء الموطنين بولاية النيل الأزرق، وكان المستطلعون يمثلون جهات حزبية متباينة، ولكن كان هناك شبه اتفاق بينهم على أن محاورة الحكومة للحركة الشعبية قطاع الشمال أمر لابدّ منه لتحقيق السلام في الولاية، وأن تطبيع العلاقة مع دولة جنوب السودان لن ينهي حالة الحرب في النيل الأزرق تلقائياً، بل بالعكس؛ قد تؤثر الحرب في النيل الأزرق سلباً على العلاقة بين الدوليتن. وفي لقطةٍ أخرى، وفي ذات النشرة، قَدَّمت القناة فقرة يظهر فيها السيد أحمد هارون، والي ولاية جنوب كردفان، يقول فيها، وبكل وضوح، وبدون أي لبس؛ أننا نمد الأيدي بيضاء للحركة الشعبية، ويدعوها مخلصاً للتفاهم لإنهاء الحرب في الولاية. إذن ياجماعة الخير، هؤلاء هم أهل الولايتين المكتوون بنار الحرب، ينادون بالتفاهم مع الحركة الشعبية لإنهاء تلك المأساة، فما بال الآخرين الذين يضجعون على أسرتهم، ويحملون ريموت التلفاز، ويتسكعون بين القنوات ثم يجذبون أغطيتهم وينامون وسط أسرهم ثم ينادون في الصباح بعدم التفاوض مع قطاع الشمال؟.
في تقديري أن تحرك قطار السلام مع دولة جنوب السودان فرصة طيبة للتفاهم مع الحركة الشعبية، وليس العكس، كما يظن البعض؛ فكوّة السلام التي انفتحت يمكن أن تتسع لتعمّ الجميع. فإذا ما انتهت أزمة الثقة بين السياسيين في البلدين، فما الذي يمنع إنهائها بين السياسيين في البلد الواحد؟ نعم دولة الجنوب هي الداعم الأكبر للحركة الشعبية في الشمال، ولكن إذا أَوقَفَت دعمها فلن يعني هذا أن الحركة سوف تحتضر تلقائياً؛ فهناك من سوف يتكفل بمدها بأسباب الحياة، وبما يفوق أي تصور؛ فحرب العصابات لاتحتاج إلى مطارات وموانيء وطرق مسفلتة، ويمكن أن تتغذى من العناصر المحلية، ودونكم حركات دار فور المسلحة. ثم ثانياً، المعلوم أن الحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب ليست كلها على قلب رجلٍ في السلام مع السودان، فحتماً، وبحكم العلاقات القديمة، سوف تجد الحركة الشعبية من يدعمها في الجنوب كأفراد (أولاد أبيي) وليس كمؤسسة حكومية، فلماذا لا نُغلق هذة الثغرة إذا أمكن ذلك؟.
تخطئ الحركة الشعبية قطاع الشمال إذا ظنت أن دولة الجنوب كانت تدعمها لرابط آيديولوجي، فدولة الجنوب، منذ أن تخلَّت عن فكرة السودان الجديد، أصبحت تُفَكِّر في إقامة دولتها المستقرة، وكانت تحتفظ بقطاع الشمال كورقة ضغط على الخرطوم للخروج بأكبر مكاسب في القضايا العالقة، لا بل للمساندة في الحرب إذا دعا الداعي لها. ففي حالة الاتفاق مع السودان سوف ترمي دولة الجنوب ورقة الحركة قطاع الشمال، وبدون تردد، والتاريخ القريب جداً يثبت ذلك. تخطئ الحركة الشعبية قطاع الشمال إذا ظنت، ومن خلال برنامج الفجر الجديد، أنها ستتمكّن من غزو الخرطوم وتسقط النظام القائم. ثم والأهم أن مواطني الولايتين قضيتهم الآن إنهاء الحرب والنزوح واللجوء والمرض والفقر والموت، وليس من يحكم الخرطوم أو كيف تُحكَم الخرطوم، فهذه مسؤلية كل الشعب. فلو سمحتم، دام فضلكم، هنا وهناك، أهل السودان أخذوا كوتتهم من البكاء والأحزان والتوشح بالسواد، فتفاوضوا وبدون ركوب رأس واشتراطات مقدمة لكي تمنحوا هذا الشعب الفَضَل فرصة أن يعيش مثل بقية خلق الله. آخخخخخخخخخ منكم جميعاً.
حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]