الطاهر ساتي
غناء أونسة.. وليلى الآذان..!!
** وتلكأ المهندس حسين في تنفيذ توجيه مديره ويتعذر بأعذار واهية، (الحديد ما جاهز، المكينة فيها عطل، أنا عايز أورنيك مرضي، و..)، أعذار مراد بها تحويل التوجيه إلى مهندس آخر..ولكن، ضحى اليوم التالي، يتلقى توجيهاً آخر مصحوباً بالإنذار، عليه صناعة هذه الآلة المطلوبة أو اعتبار رفضه مخالفة لتوجيهات الوكيل وقانون العمل، بل رفضاً للشريعة.. فيمتثل المهندس حسين للأمر الواقع، ويصنع الآلة مكرهاً، ثم يعود إلى داره مرهقاً..يطارده ضميره اليقظ ويلاحقه بإفادة فحواها : اللصوص ليسوا سواسية أمام تلك الآلة، ونظام نميري ليس بعدل أمير المؤمنين بحيث يقطع أيدي الرعية وأقدامها (من خلاف).. ويحل المساء وتنام المدائن المضطهدة ببطش نميري والأرياف المنكوبة بنهج بطانته.. ينام الجميع، إلا قلة تسكب الدمع، فالمهندس حسين لايزال يبكى.. ويتأوه والناس نيام.. ثم يكتب :
** (عزيز أنت يا وطني، رغم قساوة المحن/ برغم صعوبة المشوار، ورغم ضراوة التيار، سنعمل نحن يا وطني لنعبر حاجز الزمن/ حياتك كلها قيم تتوج قمة شماء/ فكم في الدرب من ضحو وكم في الخلد من شهداء/ عزيز أنت يا وطني برغم قساوة المحن)، فيصبح بكاء المهندس حسين أونسة قصيدة يلحنها شقيقه مجذوب أونسة ثم يخفيها عن عيون وآذان أجهزة نميري، الأمنية والإعلامية.. يهمس بها مجذوب عاماً تلو الآخر..ويصبح الصبح، فيرحل نميري وبطانته بأمر الشعب.. ويًخرج مجذوب أونسة بكائية شقيقه حسين، فتصبح بكائية تلك الليلة أغنية وطنية..!!
** تلك هي الرواية التي سمعتها بإحدى جلسات الاستماع التي أنشدت تلك الأغنية بعد سرد تلك الحكاية، وكتبتها في إطار: أحداث وأحاديث صناع القرار بالسودان ليست بجديدة، بل هي قديمة ولكنها (تتجدد).. و..المهم، لم يرضِ السرد بعض من نصفهم بالمايويين، وهم الذين يؤيدون عهد مايو بكل ما فيه ومن فيه، أي لم يتدبروا الأخطاء بعين الاعتراف والاعتذار.. بعض عاتب على سرد وقائع ودنوباوي والجزيرة في خضم سرد واقعة تلك الأغنية الوطنية، وهذا ليس مهماً، إذ مايو – بخيره وشره – أصبح تاريخاً، ويجب أن يستلهم منه الحاضر والمستقبل (العظة والعبرة)..!!
** فالمهم، تشرفت بزيارة ثنائي الإبداع (حسين ومجذوب)، وبعد فاصل من الأنس الجميل والشعر الرصين، وضح الشاعر حسين أونسة بأن مناسبة القصيدة كانت تعبيراً عن المناخ العام و(المزاج العام) في تلك الحقبة، وهي تعبر عن الوطن بكل آلام وآمال شعبه، وليست ذات صلة بـ(واقعة محددة)، كتلك التي سُردت في جلسة الاستماع تلك، وأنه لم يشارك أو يساهم في صناعة تلك الآلة الوارد ذكرها، بل كان مهندساً يعمل بقاعة الصداقة – وليست بالأشغال – حين جادت شاعريته بتلك الأغنية ذات المعاني العميقة..شكرته على التوضيح، بلسان حال يؤكد: صدق القائل (يغني المغني، وكل يبكي ليلاه).. فالتحيات لهما، حسين ومجذوب، ولكل من يحمل هذا الوطن – في حدقات عيونه ودفتر أشعاره وأوتار ألحانه – حباً نبيلاً رغم (قساوة المحن)..!!
إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]