عبد اللطيف البوني

هبوبك يارب!!!

[JUSTIFY]
هبوبك يارب!!!

منذ أن اندلع أوَّل تمرد مسلح جنوبي في توريت أغسطس 1955م، وإن شئت قل أول ثورة مسلحة جنوبية؛ لم تشهد العلاقات الشمالية الجنوبية توازناً بين حالتي الكراهية والمحبة، فقد كانت دائماً مائلة لكفة العداء والكراهية وسوء الظن (ثلاثة عتبات)، اللهم إلا الفترة (1973 1983)م، أي تلك التي نُفِّذت فيها اتفاقية أديس أببا على أيام نميري، فقد كانت تلك أول فترة يثق فيها الجنوبيون في حاكم شمالي، ومن ثم أصبح الجنوبيون مشغولين بإقليمهم الذي أداروه ذاتياً بحكم إقليمي على حسب الاتفاقية، وكانت أول فترة لا تتنامى فيها مشاعر الكراهية تجاه الشماليين، لا بل عداءهم فيما بينهم هو الأوضح كما اتضح من صراع دينكا ـ استوائيين.
النميري، رحمة الله عليه، وكعادته لم يحسبها صاح؛ فمزق اتفاقية أديس أببا بتمزيق الإقليم الجنوبي، ولكن مالم يذكره التاريخ الدور الكبير الذي قام به جوزيف لاغو في دفع النميري لتلك الخطوة، منطلقاً من الصراعات الجنوبية/جنوبية، فكانت الأنانيا الثانية ثم جون قرنق والحركة الشعبية لتحرير السودان، وتطورت الأحداث إلى أن وصلنا مرحلة الدولتين، مما يشي بأن العداء والكراهية وسوء الظن ـ أي انعدام الثقة ـ ظلَّ في حالة تصاعد رغم أن هذه الفترة الطويلة شهدت تحالفات تجمع بين جنوبيين وشماليين؛ فتكوين الحركة الشعبية نفسها يشهد على ذلك، لكن للأسف كان عدم التوازن هو السائد.
كان من المؤمل أن يفضي انفصال الجنوب، وإن شئت قل استقلاله، إلى تخفيف حالة العداء والكراهية وسوء الظن المحتقبة بين الشعبين، ولكن سوء الإخراج والقضايا العالقة أبقت على الروح العدائية وبدرجة أكبر مما كانت عليه، لا بل تطورت إلى حَرَاق روح وحرب وكالة وحرب مباشرة (هجليج) فكانت أول حرب دولية يخوضها الجيش السوداني في البلدين. لم تُفلِح المفاوضات والاتفاقيات في تهدئة تلك المشاعر رغم كثرتها، وفي تقديري فإن حالة من اليأس والقنوط اعترت إصلاح العلاقة بين البلدين وبين الشعبين قد وصلت مداها في الفترة التي أعقبت عدم تنفيذ اتفاقيات التعاون الموقعة بين الرئيسين في سبتمبر 2012م إلى العشرة الأوائل من مارس الحالي.
فجأة، وبدون مقدمات سياسية ظاهرة للعيان، قرر الطرفان المتحاربان، أو على الأقل المُتَكَاجِرَان، تنفيذ مصفوفةٍ ما اتفقا عليه في سبتمبر 2012م، لا بل انسحبت الجيوش من المنطقة العازلة وتقرر انسياب النفط، وتعهد الطرفان على إنهاء الحرب بالوكالة بينهما، والمتمثلة في دعم المعارضات المسلحة في البلدين. كل هذا انعكس إيجاباً على الجانب النفسي، إذ خَفَّ سوء الظن ـ ولن نقول انتهى ـ وبدأت وتيرة الكراهية تقل، وانحسر العداء بدرجات مُقَدَّرة. نعم، هناك الكثير من (المُكَعبلات) المحتملة ـ وهذه من كَعْبَلَ يُكَعبِلُ ـ فلن يرفع أحد حاجب الدهشة إذا سمع بأن ريمة عادت لقديمها، ولكن مع ذلك لا يمكن للناظر أن تخطئ عينه وجود روح جديدة ولغة جديدة لدرجة يمكن أن نقول معها أن بذرة من الثقة بدأت تتخلق. خَلِّينا من ذلك، فالنقل أن وتيرة سوء الظن توقفت عن التصاعد، فإن كان ذلك كذلك يمكننا أن نقول بملء الفم أن حقبة جديدة بين الشعبين يمكن أن تتبلور؛ حقبة قد تكون أفضل من تلك التي أعقبت اتفاقية أديس أببا 1973م، وأفضل من تلك التي أعقبت نيفاشا 2005م، لأن صراعاً مؤجلاً أعقب هاتين الحقبتين، ولكن طراوة هذه الأيام بين دولتين مستقلتين وليس بينهما صراع على السلطة، فتفاءلوا خيراً تجدوه.

[/JUSTIFY]

حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]