جعفر عباس

أبو الجعافر والأمية المخجلة


أبو الجعافر والأمية المخجلة
[JUSTIFY] أبلغتني الخادمة بأن غسالة الملابس ممتنعة عن تصريف المياه المتسخة، فتوجهت نحو الغسالة ومعي تشكيلة من المفاتيح والمفكات، ثم اكتشفت أنني لا أعرف حتى طريقة تشغيلها، وظللت انظر إليها في توسل وكأنها سترأف بحالي وتنطق لتخبرني عما بها من علل!! بعد قليل استخدمت «عقلي»: طالما أن الأمر يتعلق بعدم تصريف ماء الغسيل، فمعنى هذا ان الخرطوم المكلف بتلك المهمة القذرة مسدود، وشرعت في وضع خطة استراتيجية للوصول إلى النقطة التي يلتصق فيها الخرطوم بجسم الغسالة،.. ثم فصلت التيار الكهربائي وشرعت في فتح الغطاء الخلفي للغسالة.. لا بد من وقفة هنا: أنا من النوع الذي يعتقد ان على الإنسان ان يعطي العيش لخبازه بشرط ان لا يأكل منه فتفوتة، ولكنني اعتقد ان هناك مجموعة من الصنايعية أي الحرفيين المستهبلين الذين يستغلون جهلنا الميكانيكي والكهربائي والمواسيري ليأخذوا منا مبالغ طائلة نظير أعمال في منتهى البساطة، وأعتقد ان على كل إنسان قادر ان يتسلح بمهارات أساسية في مجال إصلاح وصيانة الأدوات المنزلية والسيارة، ومن ثم فإنك تلقي نظرة على صندوق الأدوات في بيتي، فتحسبني مهندسا في وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، وبالتحديد قائد فريق العمل في مشروع المكوكات الفضائية.. أشياء للحفر والخلع والبتر والنشر والربط والتفكيك.. وكل بضعة أشهر أشتري أداة أو جهازا جديدا أضمه إلى تلك المجموعة الفريدة… ولكنني أعترف بأن كل تلك الأشياء مثل الأسلحة الحديثة عند الجيوش العربية.. غير صالحة للاستخدام لأن الشخص المكلف باستخدامها لا يعرف «كيف».. ولكن الفرق بيني وبين تلك الجيوش هو أنني على الأقل «أحاول»، وهكذا كنت منهمكا في محاولة فتح غطاء الغسالة الخلفي عندما دخلت علي زوجتي وحدجتني بـ«تلك النظرة» التي تجعلني أحس بالضآلة، فرسمت على فمي ابتسامة متكلفة وواصلت عملي، ولكنها صرخت: يا راجل ما تعقل.. عايز تجيب خبر غسالة ثمنها الشيء الفلاني؟.. بصراحة فإنني صاحب سوابق في تفكيك أجهزة بسيطة والعجز عن إعادة تركيبها!! قلت لها ان المسألة بسيطة وإنني استطيع معالجتها، ولكنها قالت بحزم: روح جيب سباك.. وبصراحة فإنني لا أثق في السباك وميكانيكي السيارات والجامعة العربية واتفاقية أوسلو وفاروق الفيشاوي، ولكن حالتي النفسية لم تسمح لي بالدخول في ملاسنة خاسرة، لأنني كنت مدركا قصور ثقافتي الميكانيكية والكهربائية،.. وهكذا ألقيت بأدواتي تلك وتركت الغسالة في حالة «روبية».. يعني مثل المطربة روبي.. نصفها عارٍ، والنصف الآخر خير منه العري… وجئت بالسباك الذي ألقى نظرة على الغسالة ثم بدأ الحلقة الأولى من الدراما: هادا واجد مشكلة.. لازم أنا ياخد مشين (ماكينة، يعني الغسالة) دكان، منشان سوي تصليح حق درام، ولازم سوي تبديل حق بونكوريتور (هذه من تأليفه، فلا يوجد في أي جهاز شيء بذلك الاسم)،.. قلت له في برود وحزم: رفيق.. فك هوز (الخرطوم) وسوي نظافة! وفعل ما قلته له، واستردت الغسالة عافيتها وقلت له: فلوس كم يريد؟ فقال: 100 ريال،.. فأعطيته 15 ريالا وفوقها 10 ريالات نظير أجرة التاكسي وقلت له: رفيق.. بره جلدي (بسرعة).. تعرضت وسأتعرض لمثل ذلك الموقف، لأنني مثل الملايين لم أخرج للحياة بأي مهارات يدوية لأن التعليم عندنا يقوم على الورق والقلم فقط… وعزائي هو أنني أفضل حالا من غيري من المتعلمين لأنني على الأقل أعرف استخدام الورق والقلم.. أو هكذا أظن.

[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]